Connect with us

Published

on

الوجود الإسلامي في الأمريكتين قبل كريستوف كولومب

محاضرة للأستاذ الدكتور علي بن المنتصر الكتاني رحمه الله

الآن نرى علاقة الدولة العثمانية مع أميركا قبل كريستوف كولومب، وسأكمل بذكر علاقات الممالك الإسلامية في إفريقيا الغربية مع أمريكا قبل كريستوف كولومب.

عام 1929م، اكتشفت خريطة للمحيط الأطلسي رسمها بيري محيي الدين رايس، الذي كان رئيس البحرية العثمانية في وقته، وذلك سنة 919 هـ/ أي: حوالي: 1510-1515م، الخريطة الموجودة الآن: الغريب فيها أنها تعطي خريطة شواطيء أمريكا بتفصيل متناه غير معروف في ذلك الوقت بالتأكيد، بل ليس الشواطيء فقط، بل أتى بأنهار وأماكن لم يكتشفها الأوروبيون إلا أعوام: 1540-1560م، فهذا يعني – وكما ذكر بيري رايس – بأن هذه الخريطة مبنية على حوالي تسعين خريطة له وللبحارين الأندلسيين والمغاربة الذين قدموا قبله، فسواء هو أو المسلمون قبله سيكونون عرفوا قطعا تلك المناطق، وعرفوا اسمها قبل الأوروبيين.

ومن ضمن المسائل في هذه الخريطة التي تدل على تقدمهم على الأوروبيين بكثير في معرفتهم بالقارة الأمريكية: أنهم أظهروا جزرا في المحيط الأطلسي لم يكن يعرفها الأوروبيون، بما فيها: جزر الرأس الأخضر “Cap Verde”، وماديرا، وجزر الأزور، وبما فيهم جزر كناريا بالتفصيل، التي كنا نسميها “جزر الخالدات”. والغريب في الأمر أنه أظهر بالتفصيل جبال الأنتس التي هي جبال تشيلي غرب قارة جنوب أميركا، التي لم يصلها الأوروبيون إلا عام 1527م، وأظهر أنهارا في كولومبيا، ونهر الأمازون بالتفصيل، ومصبه الذيْن لم يكونا معروفين عند الأوروبيين ولا موجودين في خرائطهم. وأظهر نهر الأمازون بالتفصيل، بحيث رسم في مصب النهر المذكور بوضوح جزيرة يسمونها الآن “ماراجو”، وهي الآن موجودة في الخريطة الحالية التي ما وصلها الأوروبيون إلا آخر القرن السادس عشر.

من بعد ذلك هناك خريطة للحاج أحمد العثماني عام 1559م، وهي تدل كذلك على معرفة واضحة بالقارة الأميركية متفوقة على معرفة الأوروبيين. والحقيقة أن الرعب الكبير الذي كان للأوروبيين في القرن السادس عشر أن تحتل الدولة العثمانية أمريكا وتطردهم منها كان هاجسهم، ونذكر أنه في القرن السادس عشر كان الوجود الإسلامي ما يزال في إسبانيا، كان الموريسكيون مضطهدين محاربين، بيد أنهم كانوا ما يزالون مقاومين.

أما الأفارقة؛ فكما قلت لكم: أظهر تول هايير داليدا عام 1969م، بالرحلة التي قام بها من مدينة آسفي المغربية إلى البحر الكاريبي أنه بالإمكان أن يكون قدماء المصريين قد أبحروا إلى أمريكا. لماذا؟. لأنهم وجدوا تشابها كبيرا بين حضارة الأزتك والحضارة المصرية.

وفعلا؛ يظهر أن أول من قطع البحر من مسلمي إفريقيا الغربية كانوا من مملكة مالي، لأن شهاب الدين العمري قال في كتاب “مسالك الأبصار وممالك الأمصار” بأن سلطان مالي من سموسة (كلمة غير واضحة) لما ذهب للحج عام 1327م، ذهب يوزع الذهب في طريقه لحد أن ثمن الذهب رخص في مصر بسبب ما وزعه من الذهب، وأخبر بأن سلفه أنشأ مائتي سفينة وقطع المحيط الأطلسي نحو الضفة الأخرى وأنابه عليه في حكم مالي ولم يعد قط. وبذلك بقي هو في الملك.

ووُجدت كتابات في البيرو والبرازيل وجنوب الولايات المتحدة تدل على الوجود الإفريقي من كتابات إما بالحروف الإفريقية بلغة الماندينك؛ وهي لغة لشعب كله مسلم الآن، يسمونهم: “الفلان”، أو بحروف كوفية عربية. وكذلك تركت اللغة المانديكية آثارا لها في الهنود الحمر إلى يومنا هذا.

والحقيقة؛ انتشر المانديك من البحر الكاريبي إلى شمال وجنوب الأمريكتين، وهناك قبائل هندية إلى يومنا هذا مازالت تكتب بحروف لغة الماندينك.

هل طمس الإسبان جميع الوجود الإسلامي والوجود المانديكي وآثارهم ولم يبق من ذلك شيء؟!، هذا كثير، ولا يمكن. فإذا رجعنا إلى كتابات المكتشفين الأوروبيين الأوائل بمن فيهم كريستوف كولومب؛ نجد بأنهم ذكروا الوجود الإسلامي في أميريكا.

فمثلا؛ في كتاب كتبه ليون فيرنيل عام 1920م، وكان أستاذا في جامعة هارفرد، اسم الكتاب “إفريقيا واكتشاف أمريكا”، “Africa and the discovery of America”، يقول فيه: “إن كريستوف كولومب كان واعيا الوعي الكامل بالوجود الإسلامي في أمريكا”، وركز في براهينه على براهين زراعية ولغوية وثقافية، وقال بأن المانديك بصفة خاصة انتشروا في وسط وشمال أمريكا، وتزاوجوا مع قبيلتين من قبائل الهنود الحمر، وهما: “إيروكوا” و”الكونكير” في شمال أمريكا، وانتشروا – كما ذكر – في البحر الكاريبي جنوب أمريكا، وشمالا حتى وصلوا إلى جهات كندا.

بل وذكر كريستوف كولومب نفسه بأنه وجد أفارقة في أمريكا. وكان يظن بأنهم من السكان الأصليين، ولكن لا يوجد سكان أصليون جنوز في أمريكا. فمن أين أتوا؟!.

“جيم كوفين” كاتب فرنسي ذكر في كتابه “بربر أمريكا”، “Les Berberes d’Amerique”، بأنه كانت تسكن في أمريكا قبيلة اسمها “المامي”، “Almami”، وهي كلمة معروفة في إفريقيا الغربية معناها: “الإمام”، وهي تقال عن زعماء المسلمين، وذكر بأن أكثريتهم كانت في الهندوراس في أمريكا الوسطى، وذلك قبل كريستوف كولومب.

كذلك في كتاب “التاريخ القديم لاحتلال المكسيك”، “Historia Antigua de la conquesta de Mexico”، لمانويل إيروسكو إيبيرا، قال: “كانت أمريكا الوسطى والبرازيل بصفة خاصة، مستعمرات لشعوب سود جاؤوا من إفريقيا وانتشروا في أمريكا الوسطى والجنوبية والشمالية”.

كما اكتشف الراهب فرانسسكو كارسيس، عام 1775م قبيلة من السود مختلطة مع الهنود الحمر في نيوميكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية “المكسيك الجديدة”، واكتشف تماثيل تظهر في الخريطة المرفقة تدل دلالة كاملة بأنها للسود. وبما أنه لا يوجد في أمريكا سود، إذًا كانوا قادمين من إفريقيا.

وزيادة على كل ما ذكر، هناك آثار للوجود الإفريقي الإسلامي في أمريكا، في شيئين هامين: تجارة الذهب الإفريقي، وتجارة القطن، قبل كولومبوس. ومعروف أن التجارة مع المغرب وإفريقيا كانت كلها على الذهب عبر الصحراء. وسيدي مولاي أحمد الذهبي السعدي – والذي لا يعجبني كثيرا – قطع الصحراء إلى تومبوكتو لضرب دولة إسلامية مسكينة كي ينهب ذهبها ويسكت طلبات المغاربة الذين كانوا يطالبونه بتحرير الموريسكيين في الأندلس.

من السهل معرفة الذهب الإفريقي في أي مكان كان، لأنه يرتكز على التحليل التالي: لكل 32قسمة من الذهب يوجد 18 من الذهب، و6 من الفضة، و8 أقسام نحاس، وهذه التركيبة من الذهب تدل على أن أصله إفريقي، وخاصة منذ القرن الثالث عشر. وجد هذا الذهب عند الهنود الحمر بأمريكا.

ولكن هناك قرائن أكثر من القرائن المبنية على الذهب؛ هناك قرائن لغوية، وقرائن شهود عيان.
القرائن اللغوية: أن الكلمات التي تطلق باللغة العربية، أو اللغات الإفريقية على النقود، هي شبيهة بالكلمات التي تستعمل من طرف قبائل الهنود الحمر، وهذه الكلمات لا يمكن أن تكون جاءت عن طريق الغزوين الإسباني أو الأوروبي.

فمثلا: بالعربية: غنى، وغنية، وغنيمة. أصبحت بلغة الهنود الحمر: “غواني” “Guani”، معناها: الذهب. كلمة كنقود، ونقية، ونحاس، أصبحت بلغتهم: “نيكاي”، بمعنى: حلي من ذهب. كلمة “التبر”، صارت: “توب”، أي: الذهب. وكذلك لقبا للملك من ملوكهم. أي: أن هذه الكلمات العربية لا يمكن أن تصل إليهم لولا وجود عربي هناك.

تجارة القطن مهمة كذلك؛ لأنه لم يكن قطن في أمريكا، بل جاء من إفريقيا الغربية، وتعجب كولومب نفسه في كتاباته حيث قال: “إن الهنود الحمر يلبسون لباسا قطنيا شبيها باللباس الذي تلبسه النساء الغرناطيات المسلمات”. وابنه أكد ذلك الكلام كذلك.

والغريب في الأمر – وهو ما سأفصله من بعد إن شاء الله – أن قبيلة موجودة الآن في أمريكا الوسطى اسمها: “كاليفونا” “Galifona” في غواتيمالا، يسمونهم: “الهنود الحمر السود”، لأنهم هنود حمر غير أنهم سود الألوان، وهم من بقايا المسلمين الماندينكا الذين كانوا هناك، وكثير من عاداتهم لا زالت عادات إسلامية إلى الآن. سأتكلم عن هذا عند حديثي عن بقايا هذه الشعوب، ماذا فُعل بها، وكيف كان مصيرها؟.

وقال “مييرا موس” في مقال في جريدة اسمها: “ديلي كلاريون”، “Daily Clarion”، في “بيليز”، وهي إحدى الجمهوريات الصغيرة الموجودة في أميريكا الوسطى، بتاريخ عام 1946م: “عندما اكتشف كريستوف كولومب الهند الغربية، أي: البحر الكاريبي، عام 1493م، وجد جنسا من البشر أبيض اللون، خشن الشعر، اسمهم: “الكاريب”، كانوا مزارعين، وصيادين في البحر، وكانوا شعبا موحدا ومسالما، يكرهون التعدي والعنف، وكان دينهم: الإسلام، ولغتهم: العربية!”. هكذا قال.

نحن في المدرسة لا يعلموننا هذا الشيء، يقولون: “كان الكاريب وانقرضوا”. لم ينقرضوا؛ بل أفنوهم!!. أفنوهم!. وإلى هذا اليوم تسمى تلك الجزر بالكاريبي، في البحر الكاريبي، سميت عليهم.

والذين بقوا – وذلك لمخالطتهم للهنود الحمر – هم: “الكاليفونا”، وقد بقوا إلى يومنا هذا في أمريكا الوسطى، ولا شك أن أصولهم إسلامية، لأن الكثير من العادات الإسلامية لا زالت فيهم.
أين هي هذه الشعوب الآن؟.

كثير من الشباب المسلم أنشأ علاقات مع الكاليفونا، وكثير منهم رجع إلى الإسلام، وأصبحت مساجد كثيرة تظهر في تلك الشواطيء بين هؤلاء الكاليفونا.

أما هؤلاء الميلونجونس، والذين هم مهاجرون من البرتغال في أوائل القرن السادس عشر؛ فقد هربوا من محاكم التفتيش إلى البرازيل، فلما جاء البرتغاليون واحتلوا البرازيل؛ تابعتهم محاكم التفتيش، فركبوا البواخر وهربوا إلى أمريكا الشمالية، قبل أن يصلها الإنجليز، واختلطوا مع قبائل الهنود الحمر. غير أن الإنجليز لما عادوا عاملوهم معاملة الهنود الحمر، قتلا وإبادة، فهربوا إلى جبال الأبالاش. واحد منهم اسمه: “بروند كينيدي”، “Brand Kennedy”، أخذ تمويلا من جامعة فرجينيا الغربية “West Virginia”، لدراسة أصول هؤلاء القبائل، ومن أين أتوا، لأنه واحد منهم.

وبدءا من دراسة عاداتهم؛ اكتشف بأن أصولهم – كما ذكرت – من المسلمين الأندلسيين. والغريب في الأمر أن التاريخ مخيف، فأي شعب يُضطهد إلا وينتقم لنفسه بطريقة من الطرق:

أحد زعماء الولايات المتحدة، الذي هو سليل هذا الشعب، هو “أبراهام لينكولن”، انظر إلى صورته وصورة أفراد الميلونجونز كيف يشبههم، وبذلك يظهر بأن الجذور في تحرير السود هي كأنه يحرر نفسه، فانتقم بتلك الطريقة من النصارى البيض.

وهذا الذي أهداني هذا الكتاب نفسه، والذي هو أستاذ في جامعة طورنطو”Toronto”، أصله كذلك: من جهة ينتمي للميلونجونس، ومن الجهة الأخرى للزنوج.

وخلاصة الأمر التي أردت أن أقولها بعد هذا التقديم الذي إنما أردت منه أن أفتح شهيتكم الفكرية: أن هذا المجال – ومع الأسف الشديد – نحن المغاربة نعاني من خصاص تجاهه، بالرغم من أننا نحن المعنيين بالأمر، وبهذه الحركة، تجاه أميركا الجنوبية، نعاني من نقص كبير في جامعاتنا، كيف نبحث في تراثنا عن هذا الشيء؟. ضروري أنه عندنا وثائق في هذا الشأن، وبالطبع لن يسموها بأمريكا، لأنه لم يكن ذلك الوقت شيء اسمه “أمريكا”، كان لها اسم آخر بلا شك، ما هو بالضبط؟. لا ندري. لكن كان من الممكن أن نبحث في وثائقنا لنعرف هذه العلاقة التي كانت تربطنا بأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب.

والموضوع الثاني: أنه بصفة عامة، وخاصة ما يخص التاريخ، يجب أن نعتمد على أنفسنا لمعرفة جذورنا. أنا أذكر أنه عندما كنت صغيرا كانوا يعلمونني في المدرسة الفرنسية بأن العرب ليس لهم تاريخ، وذلك ليحطمونا، لأن الشعب الذي لا تاريخ له لا هوية له، شعب فاقد لذكراه التاريخية. ولولا أن الوالد رحمه الله كان ينبهني بأن تاريخنا كذا وكذا، وكان لأمتنا من المفاخر كذا وكذا، لكبرت وعندي مركبات نقص فظيعة.

وإحدى الأسلحة القوية للشعوب المتغطرسة التي تريد أن تمحو وجود الشعوب المستضعفة الأخرى: هي تحريف التاريخ. ولذلك فإنه من العار علينا أن نعتمد في اكتشاف تاريخنا، أو تاريخ الإسلام، أو تاريخ المغاربة، أو غيره…على الوثائق الغربية، وإن كنا نحمد الله على بقاء آثار إسلامية في الغرب مثل ما عند دوقة مدينة سيدونيا، والتي أخرجت وثائقها وبرهنت على الوجود الإسلامي أربعمائة وخمسمائة عام في أمريكا الجنوبية قبل كريستوف كولومب. أو يأتي واحد مثل “براند كينيدي”، ليثبت بأن شعبا كاملا من أمريكا الشمالية ذو أصول إسلامية.

وبهذا أريد أن أوصي توصية واحدة؛ وهي: أنه واجب علينا أن نربط علاقات مع هؤلاء الناس، ونحيي الأبحاث في هذا المجال.

 ..أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر 

مساجد

المسجد في الإسلام

Published

on

المسجد ليس ديرًا ولا كنيسةً، وليس في الإسلام رهبانية تقطع المسلم عن مجريات الحياة، بل إنه دِين كامل شامل، ومن هذا المنطلق فإن البيت الذي اختص للعبادة في الإسلام لا بد أن ينطلق من هذه الشمولية، ويستوعب جميع المجالات، ويهتم بجميع عناصر المجتمع الإسلامي، ويقوم باستخدام طاقات الشباب ومواهبهم استخدامًا نافعًا للإسلام، ويزود أبناء الجيل الجديد بزادٍ من التقوى والإحسان والسلوك والمعرفة، ويغرس فيهم حب الإيمان والعمل الصالح.

و الشيء الذي دفعنا للحديث عن المسجد ودوره في البعث الإسلامي، هو أنه اليوم لا يلعب الدور المطلوب في هذا المجال، في حين أنه مرجو ليكون في مقدمة المؤسسات الدينية والتربوية التي عليها أن تتحمل النصيب الأوفر في هذا المضمار.

ورب نظرة خاطفة عن دور المسجد عبر التاريخ الإسلامي، ترينا حقائق كثيرة، وتطلعنا على أمور ما أحوج المسلمين اليوم للتعرف عليها: ذلك أن بناء الرجال وصناعة المجتمعات، وتحميس الأفراد، وتنقية قلوبهم وأفكارهم وعقد ألوية الجهاد في سبيل الله، كل هذه الأمور كانت من عمل المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق الله تعالى إذ يقول: “في بيوت أذن الله ان ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء من غير حساب”. سورة النور.

في هذا المبحث سنتعرف على دور المسجد في المجتمع الإسلامي، و المجالات التي كان يشملها.

الطهارة الحسية والمعنوية

إن المسلمَ مطالَبٌ في صلاته بأن يكون طاهرَ الثوب، والبدن، والمكان، وأن يكونَ طاهرًا من الحدَثَيْنِ الأكبرِ والأصغر، وحين يصلي فإن الصلاةَ تُطهِّرُه من الذنوب والآثام، يقول الله تعالى: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].

دار القضاء

كان المسجد دارًا للقضاء، والفصل بين المتخاصمين؛ حيث يأمَنُ فيه كلُّ إنسان على نفسه، ويطمئنُّ على أخذ حقه؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ﴾ [سورة ص: 21، 22].

قال الإمامُ القرطبي في تفسيره: “ليس في القرآن ما يدلُّ على القضاء في المسجد إلا هذه الآياتُ، وبها استدَلَّ من قال بجواز القضاء في المسجد، ولو كان ذلك لا يجوز – كما قال البعضُ – لَمَا أقرَّهم داود عليه السلام على ذلك، وقال لهم: انصرفا إلى موضع القضاء”.

وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم والخلفاءُ يقضُون بين النَّاس في المسجد. [1]

مدرسة/جامعة

ذكر عبد الرحمن السيد في كتابه (مدرسة البصرة النحوية) في هذا الصدد: “لم تكن هناك بطبيعة الحال مدارس منظمة أو معاهد مهيَّأة يلتقي فيها المعلمون والمتعلمون على النحو الذي نراه في عصرنا الحاضر، وإنما كانت الدراسة ملائمة لهذه الحقبة من تاريخ البشرية، متماشية مع حاجات الناس في ذلك العصر المتقدم، فكان من جملة ما يسعى إليه الدارسون لأخذ العلم والأدب واللغة المساجدُ، فكانت حلقات الدراسة تُعقَد فيها”.

و لم تكن المساجد على هذه الحالة في البصرة فقط، فقد عمت جميع مساجد العالم، حتى مساجد تمبكتو في مالي دأبت على نفس المنوال، و أذكر ما قال عبد الرحمن السعدي في كتابه “تاريخ السودان”:

“ولم تكن تمبكتو تضم فقط هذه المساجد الثلاثة المشهورة: بل ضمت مساجد أخرى: ولكنها لم تصل إلى شهرة هذه الثلاثة ومكانتها في التاريخ الحضاري الإسلامي لغرب إفريقيا، وقد أوصل المؤرخون عددها إلى أكثر من تسعة مساجد .

كانت هذه المساجد الثلاثة – بصفة خاصة – معاهد تعليمية كبرى. ومراكز ثقافية مهمة، مثل الجامع الأزهر بالقاهرة؛ والجامع الأموي بدمشق. وجامع الزيتونة بتونس؛ وجامع قرطبة بالأندلس؛ وجامع القرويين بفاس. وغيرها من المساجد الإسلامية الكبرى.

فكانت المرحلة العليا من التعليم – في هذه المساجد التمبكتوية – تشبه ما كان بالأزهر قديما وما هو كائن اليوم. إذ إن حلقات الدراسة مازالت تعقد في جامع تمبكتو، وينتظم فيها طلبة الدراسات الإسلامية؛ الذين يمنحون شهادة الإجازة (الليسانس)؛ تماما كزملائهم الذين يتخرجون في الكليات المختلفة في جامع الأزهر .

ويسمي بعض المؤرخين هذا النوع من التعليم المسجدي بالجامعات العامة. لأنه يجمع بين فكرة التخصص الدقيق وفكرة الثقافة التربوية العامة. وهو تعليم إسلامي أصيل. وضعت بذرته الدعوة الإسلامية وما تمت ظلالها .” [2]

ناهيك عن انتشار الكتاتيب في المساجد، و تطور كبير في بعض منها، كما حصل في مسجد القرويين، و الذي استحدث فيه أول جامعة في العالم.

و بخصوص الكتاتيب: فهي بداية التعليم لدى الطفل، ومفردها كتّاب ويطلق عليه المكتب، وسمي بذلك لأنه يتعلم فيه التلميذ الكتابة؛ ويطلق عليه أهل صنعاء واليمن المعلامة. والمعلامة: غرفة ملحقة في الغالب بأحد المساجد أو تجاورها، يأتي إليها الأطفال في سن السادسة من العمر يوميا لتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، والتدرب على قراءة القرآن الكريم: وكان المعلمون لا يتقاضون أجرًا رسميا مقابل تعليمهم للصبيان، بل كانوا يعتمدون على ما يدفعه لهم الصبيان من نقود في آخر الأسبوع، وكان أهل صنعاء يسمونها: “حق الخميس”. [3]

مكتبة

تحتوي العديد من المساجد خلال مختلف الأزمة على العديد من الكتب التي تهم المسلم، دينا و دنيا، و تكون مفتوحة للعامة لمن أراد القراءة.

وأذكر منها [4] :

مكتبة الحرم المكي

مكتبة أيا صوفيا

مكتبة مسجد أبي أيوي

مكتبة مسجد السلطان أحمد الثالث

خزينة جامع السلطان محمد.

وفي الجامع الكبير في صنعاء مكتبة تحتوي على مخطوطات هامة وكتب قيمة، وقد بدأت هذه المكتبة صغيرة فكانت مجرد خزانة خشبية تقع في مؤخرة الجامع، ثم تطورت بعد ذلك تدريجيا وأقبل الطلاب من صنعاء وخارجها على هذه المكتبة؛ نظرا لكونها أكبر مكتبات الجوامع بصنعاء خاصة واليمن عامة؛ ولان الكتب التي بداخلها كتبت بخطوط رائعة [5].

و بإمكان الباحث أن يستزد في هذا الباب من خلال كتاب “المكتبات العامة الموصلية منذ القرن الثامن عشر و حتى القرن العشرين” للمؤلف قصي حسين آل فرج.

الفلك

كان للجامع الأموي الكبير (حلب) دور كبير كمؤسسة لعلوم الفلك، فقد درس فيه العديد من العلماء المشهورين أمثال: العالم ابن النقيب (900-971هـ/ 1494-1563م)[6] والعالم أحمد آغا الجزار (في القرن 19).

وقد قضى عالم الفلك العربي ابن الشاطر معظم حياته في وظيفة التوقيت ورئاسة المؤذنين في الجامع الأموي من عام 1332 حتى وفاته في عام 1376 [7]، وقد قيل أنه قام بتنصيب مزولة كبيرة على المئذنة الشمالية للمسجد في عام 1371. [8]

مكان للتشاور و الإستشارة

المسجدُ كان – ولا يزال – أفضلَ مكانٍ للتشاور بين المسلمين، في كل شأن من شؤون دِينهم ومعيشتهم؛ لأن المسلمَ في المسجد يكونُ بعيدًا عن هوى النَّفس ونزغات الشيطان.

مآل الفقراء و المساكين و أهل الصفة

الحرصُ على صلاة الجماعة وسيلةٌ ممتازة للتعرُّف على ظروف هؤلاء وأحوالهم، وهذا في الواقع يُعَدُّ هدَفًا من أهداف الإسلام حين رغَّبَ في صلاةِ الجماعة، وحثَّ عليها.

 عن مُعاذِ بن جبلٍ رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطانَ ذِئبُ الإنسان، كذئب الغنم، يأخذ الشاةَ القاصية والناحية؛ فإياكم والشِّعابَ، وعليكم بالجماعةِ والعامَّةِ والمسجد)) رواه الإمام أحمد في المسند.

>>حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال “أصليت يا فلان” قال “لا” قال “قم فاركع ركعتين”

قوله : ( قم فاركع ) زاد المستملي والأصيلي ” ركعتين ” وكذا في رواية سفيان في الباب الذي بعده ” فصل ركعتين ” ، واستدل به على أن الخطبة لا تمنع الداخل من صلاة تحية المسجد ، وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم لها فيحتمل اختصاصها بسليك ، ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد الذي أخرجه أصحاب السنن وغيرهم جاء رجل والنبي – صلى الله عليه وسلم – يخطب والرجل في هيئة بذة ، فقال له : أصليت ؟ قال : لا . قال : صل ركعتين ، وحض الناس على الصدقة الحديث فأمره أن يصلي ليراه بعض الناس وهو قائم فيتصدق عليه<< [9]

محمد بن خفيف رحمه الله من علماء الحنابلة قالوا قد نزل به الفالج، الفالج هو مثل الجلطة شلل نصفي، يقولون فكان إذا أُذّن عليه للصلاة إذا سمع الآذان قال :” احملوني إلى المسجد” قالوا : سبحان الله، إن الله قد عذرك، قال: “أعلم أن الله قد عذرني أعلم لكني لا أطيق” -لا أصبر- ثم قال :”إذا سمعتم حيّ عل الصلاة حيّ على الفلاح ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبره” يعني إن لم تجدوني في المسجد اعلموا أني قد مت، أنا في المقبره، “فاطلبوني في المقبره” !

دور للعلاج و حضانة للأطفال

في ترجمة العالم الجليل سليمان ربيع يذكر يوسف المرعشلي في كتابه “نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر ” قوله “كما أنشأ مستشفى خيريا كبيرا يجمع مختلف الأطباء في جميع التخصصات العلاجية: وأحدث الطرق العلاجية للأمراض المزمنة. وخاصة مرض الفشل الكلوي. حيث استورد جهازا للغسيل الكلوي ليكون بأسعار مخفضة ومتاحة للمرضى.

وقد الحق بالدور العلاجية مبنى للمسنين الذين لا يجدون من يقوم بخدمتهم، فأتاح لهم الراحة الكاملة، من خدمات ومماشات يومية. وعوضهم خيرًا عن أبنائهم وأقاربهم الذين اهملوا رعايتهم وحقوقهم بعد لن كبروا في السن.

وفي طريق طلب العلم ونشره أنشأ معهدًا كبيرًا وضمه للأزهر؛ وهى معهد الفتيات بمصر الجديدة. كما أتمّ بالحي نفسه بناء خمسة عشر مسجدًا، وألحق بكل مسجد دورًا للعلاج وحضانة للأطفال وتعليمهم.” [10]

مستشفى

لقد كانت المستشفيات في بلاد المسلمين تُبنى في أفضل الأماكن البيئية وأبعدها عن أسباب التلوث والتغير؛ وبدأ ذلك منذ فترة باكرة، فأول بيمارستان في الإسلام كان خيمة نُصِبت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد هو أطهر مكان في أرض المسلمين، إذ يجتمع الناس فيه للصلاة وهم متطهرون، وكان أول ذلك الأمر بعد غزوة الأحزاب، وكان أول من عولجوا هم جرحى هذه الغزوة، وعرفت الخيمة باسم طبيبتها رفيدة الأسلمية فكان يقال «خيمة رفيدة» [11]

ونرى كثيراً من المستشفيات في الحضارة الإسلامية بُنيت بجوار المسجد، ويزداد الأمر وضوحاً إذا علمنا أن المسجد كان هو مركز المدينة الإسلامية وأفضل البقاع فيها، وأحياناً تُبنى بجوار القصور أو تُحوَّل القصور إلى مستشفيات، ولا ريب أن القصر يُبنى في أفضل المواقع من المدينة كما هو معروف ومتوقع. وأحياناً لا تبخل علينا المصادر فتصف موقع المستشفى بمزيد تفصيل فإذا بنا نجده على شاطئ نهر أو على شاطئ بحيرة (وتسمى: بِرْكَة) أو نحو هذا.

فمن هذا ما ورد من أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بنى بيمارستاناً «كان مكانه في قبلة مطهرة الجامع الأموي» عند المئذنة الغربية.[12]

و لمن أراد الإستزادة في هذا الصدد، فبإمكانه مراجعة مقالة مجلة البيان “مواقع المستشفيات في الحضارة الإسلامية”. [13]

توثيقِ عقود الزواج

كان المسجد دارًا لتوثيقِ عقود الزواج؛ لِما رواه الترمذيُّ وغيرُه، عن عائشةَ رضي الله عنها، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أعلِنوا هذا النكاحَ، واجعَلوه في المساجدِ، واضرِبوا عليه بالدُّفوفِ)).

ولكي يعود للمسجد دورُه الرِّياديُّ في نهضة الأمَّة وتقدُّمها، واستعادة مَجْدها؛ فإنه ينبغي أن يمكَّنَ للمسجد كي يؤديَ رسالته الرُّوحية، والتعليمية، والاجتماعية، دون قيود؛ لكي يعودَ كما كان مِحورًا للعديد من المجالات النافعة للأمة؛ كأن يُلحَق به نادٍ للشباب يمارسون فيه رياضةً بدنيَّة خفيفة، ويقومون بأنشطة ثقافية وترفيهية، وأن يضم مكتبةً أكبر للقراءة والمطالعة، يتزوَّدُ فيها رواد المسجد بالثقافة الرَّفيعة.

وينبغي كذلك أن يقومَ المسجد بدوره في رعاية الطلاب، وتقديمِ العون لهم؛ كي يتفوّقوا في دراستهم؛ تخفيفًا عن كاهل أولياء أمورهم، ولكي تتوثَّقَ علاقة الشباب بربِّه عن طريق ارتباطه بالمسجد.

المراجع

[1] تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) 1-11 ج8 ص 118

[2] تاريخ السودان (كتاب في تاريخ الإسلام والثقافة والدول والشعوب) ص 74

[3] تاريخ صنعاء منذ فجر الإسلام وحتى أواخر القرن الرابع الهجري. ص:299

[4] تفسير الراغب الأصفهاني المتوفي في حدود سنة 450هـ دراسة وتحقيقاً من اول سورة آل عمران

[5] عفيفي البهنسي: الجامع الكبير بصنعاء، دراسة تاريخية و معمارية لأقدم مسجد دامع في اليمن، ص 130

[6] “خليل بن أحمد النقيب.” الموسوعة العربية، (http://arab-ency.com/.)

[7] Charette، François (2003), Mathematical instrumentation in fourteenth-century Egypt and Syria: the illustrated treatise of Najm al-Dīn al-Mīṣrī (Kitāb Fī Al-ālāt Al-falakīyah). p.16

[8] Selin، Helaine، المحرر (1997)، Encyclopaedia of the history of science, technology, and medicine in non-western cultures p.413

[9] فتح الباري شرح صحيح البخاري 888

[10] نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر  ص 1834

[11] ابن هشام: السيرة النبوية 2/239، الطبري: تاريخ الطبري 2/586

[12] ابن العماد: شذرات الذهب 7/584

[13] رابط المقالة في مجلة البيان.

Continue Reading

مقالات

محمد أيت العربي يدون : على سنة أبينا إبراهيم في القرن الواحد والعشرين

Published

on

كانت الأصنام في العصور الغابرة محاولة تلجأ إليها الأقوام، بعد وسوسة من الشيطان، كي تتذكر الصالحين الذين أعادوا أجدادهم للصراط القويم، قبل تدور الأيام فيعتبروا هذه الأصنام شفعاء ووسطاء في علاقة القبائل مع الله، ثم أخيرا يأتي جيل يراهم آلهة تُعبد من دون الله تعالى، وهؤلاء كانوا فخرا للشيطان، على الأقل قبل ظهور جيل فاق كل التوقعات.
الجيل الجديد لم يتخذ أصناما كانت تذكيرا بالصالحين وإنما اتخذ له المعتدي على حرماته إله معبودا مع الله، أما الأصنام فمجرد تذكير به. يأتي المعتدي ليأخذ من أرضه ما يريد، ويزرع في أرضه ثمار التبعية وف أرحام بنات بلده أجنة لن تجد لها والدا مربيا، ثم يأتيك المعتدى عليه ليُمجد ما تركه من اعتدى عليه.

ومن أمثلة ذلك ما حل بالعالم الذي بلغ عصرا حيث السلام يسود العالم، فلم تعد أرواح تسقط في اليمن من الجوع والحرب ولا في سوريا ولا جرائم يشرف عليها النظام الأمريكي في العراق وقد تم حل مشاكل أهل بورما المسلمين ولم يعد لمسلمي الصين ما يمنعهم من العيش مسلمين، بل وانتهى عصر المجاعات والأوبئة والظلم، وقرر الخمسة الكبار في مجلس الأمن التخلي عن الفيتو حتى تتساوى دول العالم. كان العالم يعيش في سلام قبل أن يستفيق على هول مصيبة بل وفعل ظالم يعيدنا لعصور غابرة من الإرهاب، حيث يقوم شخص بتدمير أصنام قبيلته في محاولة لإيقاظ أمته، تقريبا مثلما فعل محمد وابراهيم عليهما الصلاة والسلام -لكن لن يُقال عنهما إرهابيان لتفادي تأكيد ما تعرفه الشعوب من عمالة حكامها-.
استيقظ العالم على مقطع ملتح بقميص أبيض يشوه تمثالا تركه الاحتلال الفرنسي كهدية للجزائريين بعدما أخذ منهم ما أخذ من خيرات وحياة، تمثال امرأة عارية يتماشى والثقافة الفرنسية التي على الجزائريين -حسبما يبدو- أن يتعلموا التعايش معها بل تقبلها وتبنيها، تمثال امرأة عارية فوق عين الفوارة قريب من مسجد ما يزال يحتضن صلاة من بقي من المسلمين في هذه الأرض الطيبة، حيث كان المصلون يتوضأون بمياه النافورة قبل دخولهم للصلاة في المسجد. وبعد الفعل الإرهابي الذي حدث فُقدت كل فرصة في توبة التمثال ودخوله الإسلام تأثرا بما يراه من طاعة ودوام عليها.
الأمر يتعلق بالشاب عباس -الإسم ذاته الذي حمله قبله إرهابي آخر نعرفه باسم عباس بن فرناس- الذي سولت له نفسه تشويه تمثال من صنع الاحتلال الفرنسي، كيف له أن يخرج بفعله هذا عن أفعال “مغامري” العالم الذين سبقوه؟ كيف لشخص عاقل أن يترك قتل المسلمين أو فقراء العالم ويتجرأ على تشويه تمثال من إبداع الاحتلال الفرنسي؟ كيف لشخص عاقل أن يفعل ذلك؟ وربما صدق من وصف الملتحي المجرم بالمريض عقليا.

الواقعة شهدتها مدينة سطيف الجزائرية من طرف الشاب عباس عبشي، وهو ابن 36 ربيعا، المنحدر من منطقة بني وسين شمال سطيف، متزوج له طفلة، و يشهد له جميع من يعرفه بحسن إيمانه و رجاحة عقله و رفعة خلقه، و دوامه الرباط في المساجد. وقد أُمسك متلبسا وهو يحاول إحياء سنة إبراهيم من قبله -عفوا، تجاهلوا هذه الجملة- وقد أُمسك متلبسا من طرف مجموعة من الأبطال الذين تدخلوا لإنقاذ تذكار أحد آلهتهم -عفوا، تجاهلوا هذه الجملة كذلك- وقد أُمسك به من طرف مجموعة من الأبطال أثناء عوتهم من تحرير فلسطين ليحاولوا إيقافه عن فعله الإجرامي، فهذا يقذفه بالحجر وآخر يصرخ عليه فيما يتربص آخر منتظرا الفرصة السانحة للانقضاض عليه ورميه أرضا قبل تسليمه لرجال الأمن الذين عرضوه على قاضي التحقيق بمحكمة سطيف أمس الأربعاء الذي أَودعه الحبس المؤقت إلى غاية إجراء الخبرة القضائية للتأكد من سلامته العقلية ومحاكمته.

لكن لحسن الحظ أن الحكومة الجزائرية التي تعاني من فائض في ميزانيتها التي تخصصها لتمويل البحوث العلمية والإنفاق على الفقراء، قررت حسبما تتناقله الألسن أن تنفق على إصلاح التمثال العزيز على القلوب، وأمنيتنا أن تتجاوز “السيدة العارية” تصرف هذا الهمجي صاحب المطرقة ويرق قلبها للإسلام.

وآخر ما نطالب به حكتم العالم أن يخرجوا أمثال عباس من دولهم فهم أناس يتطهرون

Continue Reading

العالم الإسلامى

المغرب : عبد الله الحمزاوي يكتب .. أيها القاضي أفرح قلوبنا بالافراج عن الصغيرات‎!

Published

on

عبد الله الحمزاوي – كاتب اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين فرع سلا

بعد تسعة أشهر من المخاض ستولد الأحكام في حق عشرة نساء، منهن سبع قاصرات اتهمن بتهم ثقيلة ليس لهن علاقة بها كما صرحن أمام قاضي التحقيق، وكذلك أمام القاضي المكلف بالنطق بالحكم.

القضية بدأت مع الحملة الانتخابية الأخيرة (لاستحقاقات 7 أكتوبر 2016) التي جيشت فيها الدولة العميقة أو المخزن كل إمكانياتها للإطاحة بحزب العدالة والتنمية الإسلامي، مستخدمة في ذلك حملات التشويه والتخويف من الإسلاميين، فكان اعتقال “خلية النساء العشرة” -مع أن أغلبهن طفلات صغيرات-، بتهمة التخطيط لتفجير بعض مكاتب التصويت!!

ولنا أن نتساءل هنا: ما ذنب هؤلاء الفتيات في هذه اللعبة السياسية القذرة؟ ولماذا أقحمتموهن في نتنكم؟ أم تراهن الحائط القصير وأن مشجب الإرهاب هو الأوفر حظا لحصد نتائج أفضل ضد كل ما هو إسلامي؟!

تسعة أشهر من معاناة المعتقلات وعائلاتهن، ابتدأت مع بزوغ فجر يوم الاثنين 3 أكتوبر 2016، حين انتهكت حرمة عشرة بيوت في سبع مدن مختلفة بطريقة هوليودية، عشرات رجال فرقة مكافحة الإرهاب المعروفة باسم “بسيج” بأسلحتهم المتنوعة يقتحمون بيوتا آمنة ويروعون أهلها ويفاجئونهم باعتقال أغلى من في البيت، تخيلوا معي هذه المشاهد المأساوية.. أمّ يخطف رجال ملثمون ومسلحون بأسلحة مرعبة ابنتها من بين يديها ويسوقونها نحو المجهول، بل لا تعرف حتى سبب الاعتقال!! وأب يرى غرباء يعبثون في بيته وبكل ما يجدونه أمامهم، وقد أوقفوا ابنته كمجرم قاتل ولا يستطيع التدخل أو حتى الكلام!! هل هناك أبشع وأفظع من هذا المشهد؟! هل هناك إرهاب أكبر من هذا؟!

ليت الأمر يقف هنا.. إثنا عشر يوما من التحقيق مع القاصرات بدون أولياء أمورهن، وهذا مخالف لقانونهم الذي يريدون تطبيقه، وبأنواع من الحيل والتدليس والضغط والإرهاق النفسي وقع الآباء على محاضر لم يقرؤوا ما كتب بها!!

لتبدأ بعدها معاناة لن تنته لعائلات المعتقلات العشر بسجن العرجات بضواحي مدينة سلا، سفر طويل من مدن بعيدة، زاكورة وتارودانت وطاطا وطنجة.. لزيارة بناتهم ودائما بعد الانتظار لساعات أمام السجن وداخله لرأيتهن لنصف ساعة فقط كلها خليط من البكاء والعناق والدعاء بالفرج، ولا يبقى لهم حتى الوقت لسؤالهن عن أحوالهن داخل السجن، هذه الأسوار والقضبان التي لا يطيقها حتى الرجال الأقوياء، فكيف بصغيرات ضعيفات لم يبتعدن عن حضن أمهاتهن من قبل..

يا أيها القاضي تخيل نفسك وابنتك ذات الخمسة عشر سنة في هذا الحال!!

ألا يكفيكم كل هذه المعاناة؟ تسعة أشهر من التأجيل في الحكم، أربع جلسات عند قاضي التحقيق، وخمس جلسات أمامك بقاعة المحكمة من أجل تهم لا علاقة لهن بها ويتبرأن منها، لم يجدوا عندهن شيئا سوى كتب وهواتف ونفين كل ما اتهمن به…

يا أيها القاضي ألم يؤثر فيك بكاء الأمهات المكلومات، وصراخ وإغماءات القاصرات؟!

ألم تهزك دموع الرجال على فلذات أكبادهم؟!

ألم تر الأب وهو يبكي ولا يستطيع القيام من مقعده بقوة الألم، وهو يشاهد ابنته العروس التي كان ينوي أن يزفها لعريسها فإذا بكم تزفونها إلى قفص الاتهام وقضبان وأسوار السجن؟!

بالله عليك يا أيها القاضي يكفي مزيدا من هذه المعاناة، تسعة أشهر من الفراق والحزن والمصاريف المكلفة، لقد تعبوا من هذا الظلم الذي حل بهم.

أيها القاضي ستنطق بالحكم يوم الخميس 22 من الشهر الجاري الذي سيوافق يوم 27 من رمضان المبارك قبل أيام من عيد الفطر، فلا تفجع قلوبا أتعبها الألم والحزن والفراق في هذه الأيام المباركة، واعلم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب..

Continue Reading

العالم الإسلامى

قضية الفتيات الأسيرات العشر .. بين الإعلام الأصفر و القضاء المستباح

Published

on

عبد الله الحمزاوي : عضو اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين

“سابقة إعلامية حصرية” هكذا عنونت الجريدة الإلكترونية المغربية “ميديا 24″ في مقال لها حول الفتيات العشر المعتقلات مؤخرا من لدن السلطات المغربية، و قد وصفتهن الجريدة ضمن المقال المنشور بتاريخ الأربعاء 18 يناير 2017 بـ”هكذا تطرفت 10 مغربيات وخططن لعمليات إرهابية”.

ضمن طيات المقال، ذكر معده قائلا”هذه هي المرة الأولى من نوعها في تاريخ المخابرات المغربية التي يوافق فيها مسؤول كبير على تقديم توضيحات حول الأبحاث التي أدت إلى اعتقال مجموعة متطرفة نسائية”(!!)، هكذا يوضح لنا كاتب هذا الخبر ويصرح كيف أن هذه جريدته الإلكترونية استطاعت أن تخرق القانون هي وهذا المصدر المأذون الرفيع المستوى داخل المكتب المركزي للأبحاث القضائية المعروف اختصارا بـ”بسيج” كما وصفه محاوره.

فكيف يتجرأ هذا المسؤول الكبير على إخراج معلومات وأسرار عن التحقيق في قضية لم يقدم القضاء فيها كلمته الأخيرة، بل والقضية لازالت عند قاضي التحقيق يحقق في تفاصيلها وفي التهم الموجهة للمعتقلات؟ والأدهى والأمر أن أولياء أمور القاصرات المعتقلات في هذه القضية وهم المعنيون بالأمر لا يعلمون تفاصيل التهم الموجهة لبناتهم، لأنه ببساطة لم تحترم الضابط القضائية مسطرة الأحداث، وتستمع للقاصرات أثناء التحقيق رفقة أولياء أمورهن، كما ينص على ذلك قانون محاكمة القاصرين، حيث تم المناداة على أولياء أمورهن إلى مقر البسيج ووقعوا على المحاضر الجاهزة دون الاطلاع على ما فيها، بل اتبعوا مع أوليائهن طرق الاحتيال والضغط، فقد صرح لي أب إحدى القاصرات أنهم اتصلوا به وطلبوا منه الحضور لأخذ ابنته، وعند وصوله طلبوا منه التوقيع على عدة أوراق ليتسلم ابنته والهاتف المحجوز معها، لكن عند انتهائه من التوقيع اكتشف أنها فقط حيلة حتى يوقع على المحاضر دون الاطلاع على ما فيها، ولم يتسلم لا ابنته ولا الهاتف!!

ومن الأولياء من أرغم على التوقيع وهو لا يعرف حتى القراءة، وعندما سألته لماذا وقعت على المحاضر وأنت لا تعرف ما بها؟ قال: “لقد كان رجال السلطة كثرا، كل واحد فيهم يأمرني بعد الآخر بالتوقيع، حتى خفت أن يقتلوني”، ومن شدة رعبه قال وهو يصدق ما يقول: “وبالفعل يقدرون على قتلي”!!

من ضمن المحجوزات كتيب متن العقيدة الواسطية و كتاب حقيقة التوحيد

من ضمن المحجوزات كتيب متن العقيدة الواسطية و كتاب حقيقة التوحيد

أما تفاصيل التحقيق التي صرح بها محاور هذه الجريدة الإلكترونية الذي رغب في عدم الكشف عن هويته لأسباب واضحة مرتبطة بنشاطه المحاط بالسرية -كما زعموا- في حين لم يراع سرية التحقيق وعدم التأثير على القضاء والرأي العام، فقد أعلن عن التهم التي وجهتها أجهزته للمعتقلات اللواتي نعتهن بأنهن كن متطرفات إسلاميات، وأنهن توصلن بتمويلات خارجية عن طريق إحدى عناصر الخلية التي تلقتها بعلم من زوجها المعتقل، والذي كان على علم بالمخطط الإرهابي لزوجته، كما أن إحدى الموقوفات من مدينة زاكورة بعد تواصلها مع بعض القادة العسكريين للدولة الإسلامية، توصلت بدليل ومواد لتصنيع عبوة ناسفة أولية، هذه القاصرة كانت قاب قوسين من تنفيذ عملية إرهابية في مكتب التصويت بمدينتها (يوم 7 أكتوبر الماضي).

كما أدى البحث أيضا إلى اكتشاف مكونات لصنع حزام ناسف كانت إحداهن تنوي تفجيره يوم الانتخابات أيضا، ومنهن من تعاقدت على زواج افتراضي على الفيسبوك مع أحد المقاتلين من داعش من غرفتها ودون علم والديها، وقد دعاها زوجها إلى إعداد جواز سفر للانضمام له، كما أن إحدى القاصرات وهي تلميذة تلقت مباركة من أجل قطع رأس تلميذين في مدرستها لأنهما كان يكيلان الانتقاد والسب لداعش، وغيرها من التهم؛ إلى أن تم لقاؤهن في أحد المنازل بعد تقاسمهن نفس القناعات الإيديولوجية.

وبما أن التحقيقات لم تعد سرية، ولن تؤثر على مسار القضية التي لايزال التحقيق جاريا فيها، ولم يقدم القضاء حكما فيها، وبما أني أحد أعضاء اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين والمكلف بالتواصل مع عائلات المعتقلات في هذه القضية، سألت الزوج المعتقل (زوج إحدى الموقوفات) بعدما اتصل بي بهاتف السجن، والذي اتهمه هذا المسؤول الأمني بعلمه بالأموال التي كانت تصل زوجته من الخارج، وأنه كان يعلم بالمخطط الإرهابي لها، فأجاب بكل حسرة: “زوجتي لا تجد ما تؤدي به واجب الكراء، ولا ما تصرف به على نفسها، فكان أحد من المحسنين ببريطانيا يرسل لها بين الفينة والأخرى مساعدات مادية لا تتجاوز 2000 درهم، وانقطع منذ مدة طويلة”.

ويتحدى هذا الزوج من يتهمه أن يظهر أي حوالات أخرى تثبت أن زوجته تلقت أي مبلغ كبير من ألمانيا كما يدعون، وبما أنه كان على علم بكل هذا لماذا لم يأتوا لتحقيق معه هو أيضا؟ بل يقول هو أرسل رسالة من داخل السجن عندما اعتقلت زوجته يريد مقابلة رئيس البسيج أو الوكيل العام للملك حتى يستفسر عن أسباب اعتقال زوجته، لكن لم يستجب لطلبه إلى الآن!

واستغرب أبو القاصر المعتقلة من مدينة زاكورة من التهم الموجهة لابنته، وقال أين هي هذه العبوة الناسفة التي كانت تنوي ابنتي تفجيرها بعد أربعة أيام من اعتقالها؟ كان من المفترض أن يصور إعلام القنوات الرسمية الذي كان حاضرا وقت الاعتقال العبوة الناسفة، بدلا من تصوير السانوج (الحبة السوداء) وهاتف نقال ومصباح صغير محترق. مضيفا أن ما أخذ مع ابتي من البيت هو هاتفها، وحاسوب البيت، ومصباح محترق أتى به أخوها الصغير من كراجي لإصلاح السيارات، وقليل من السانوج الموجود في غالب البيوت، ودرهم من الكبريت تستعمله أختها لأمراض جلدية، وقليل من الدوليو تستعمله أمها من أجل الحناء، وقليل من الفحم المدقوق تستعمله لتبيض أسنانها، وهو الذي يخصها من هذه المواد كلها.

الناظر في هذه التهم الموجهة للمعتقلات يخطر في باله عدة تساؤلات:

كيف يتهم هذا المسؤول الأمني زوج إحداهن ولم يتم التحقيق معه ولا الاستماع له؟

وكيف تصنع قاصر عبوة ناسفة من تلك المواد التي توجد في أي منزل؟

وتهمة مضحكة لتلميذة صغيرة عمرها 15 سنة كانت تنوي قطع رأسي تلميذين بسبب انتقادهما لداعش.

وكيف اجتمعت جميع الفتيات في أحد البيوت وهن يقطن بمدن مختلفة وغالبهن قاصرات؟

كيف سيسافرن دون علم آباءهن؟ وأولياؤهن يؤكدون أنهم كانوا يراقبون بناتهم ولا يمكن أن يكن سافرن دون علمهم، وأسئلة أخرى تنقدح في ذهن المتابع والقارئ لهذا الكلام.

وأخيرا يصرح هذا المسؤول الكبير والرفيع المستوى داخل المكتب المركزي للأبحاث القضائية والمأذون له، أنه حين تم القبض عليهن دافعن عن أنفسهن بالقول أنهن لا يفهمن أن رغبتهن للانضمام إلى تلك الدول (سوريا والعراق) هي ضد القانون!!!

هل هن كن يردن أن ينفجرن في المغرب؟! أم يردن الالتحاق بتلك الدول؟! أم ماذا بالضبط؟!

الله أعلم.

Continue Reading

العالم الإسلامى

المغرب : عبد الله الحمزاوي يكتب : في انتظار اعتقالي

Published

on

كاتب اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين فرع سلا

عند آخر كل شهر دجنبر في السنوات الأخيرة، تقوم الأجهزة الأمنية في المغرب بحملة اعتقالات واسعة في صفوف المنتمين للتيار السلفي، وتصف هذا الإجراء بالروتيني والعادي تزامنا مع آخر السنة، واحتمال إحداث فوضى أو تفجيرات.

لكن هذا الإجراء بالنسبة لضحية هذه الحملة، لا يكون لديه الأمر عاديا، إذ كيف يكون عاديا ومع حلول الفجر يقتحم بيتك عدد من رجال الاستعلامات العامة والشرطة القضائية ويروعون مضجعك أنت وأهلك، ثم يصحبونك معهم ويتركون الخوف والحيرة وسط أسرتك، لا يعرف أفرادها هل ستعود لهم هذه المرة أم سيغيبونك وراء القضبان لسنوات.

لقد تم اقتحام بيتي واعتقالي لنهار كامل في أواخر شهر دجنبر سنة 2014 وكذلك الأمر سنة 2015 بذريعة جمع المعلومات، وكأن هذه المعلومات لا يمكن جمعها إلا بهذه الطريقة التي لا تراعي حقوقا ولا كرامة، وفيها اعتداء علي وعلى زوجتي وأبنائي بل وكل أفراد عائلتي ومعارفي.. يدقون باب بيتك بقوة يستيقظ معها زوجتك وأبناؤك على صوت دخول مجموعة من الغرباء لبيتهم ليصطحبوا أباهم وكأنه مجرم قاتل أو سارق أو عدو للأمن والبلاد.. حتى أصبح هذا الشهر شهر شؤم وخوف وترقب سيء عند أسرتي وأقاربي.

لقد قلتها لمعتقليَّ بصريح العبارة: هل مقصودكم من هذه الطريقة من الاعتقال هو أنا أم المقصود هو إرهاب عائلتي وتشوه شخصي أمام جيراني، وإعطاء الفرصة لبعض المنابر الإعلامية حتى يألفوا القصص والأخبار الكاذبة، كما حصل السنة الماضية عندما نشرت بعض الصحف أن اعتقالي جاء تزامنا مع اعتقال خلية داعشية كانت تنوي تفجير بعض الأماكن مع الاحتفال برأس السنة وتم الافراج عن أحد أعضائها (المقصود أنا)، والصواب إذا كان رجال المخابرات يريدون الاستفسار وجمع المعلومات عن تحركاتي ونشاطاتي الحقوقية وعلاقاتي مع الشخصيات الحقوقية والإعلامية يمكنهم إرسال استدعاء أو الاتصال بي ويطلبون مني الحضور عندهم، فسأحضر مجبرا ودون أي إضرار.

هذه الطريقة هل هي أصلا قانونية أم فقط هي من تسلط وتجبر القوة القمعية؟! كيفما كان الجواب فهي طريقة بعيدة كل البعد عن حقوق الإنسان التي من العجيب أنهم يحتفلون بها مع بقية العالم في هذا الشهر، وهم بهذا الأسلوب من الاعتقال يولدون البغض والكراهية في قلوب كل من مر من هذه التجربة، ومن عانا معه من عائلته وأبنائه.

فمع دخول هذا الشهر واقتراب رأس السنة صرت أتألم على الحالة التي تعيشها زوجتي وردة فعلها المليئة بالخوف والاضطراب والصدمة وهي تسمع صوت أي سيارة أو خربشة أو طقطقات أحذية مع الفجر، معتقدة أن رجال المخابرات قد جاؤوا في زيارتهم السنوية غير المرغوب فيها.

أما بالنسبة لي فمنذ أن اخترت طريق الدفاع عن المظلومين داخل السجون ومساعدة عائلاتهم بكل الطرق المشروعة أعلم أنها طريق مليئة بالصعاب والابتلاء، ولا أريد من وراء هذا العمل بعد الثواب من الله سبحانه سوى مد يد المساعدة والعون لإخواني، وهذا ما يجعل عائلتي وأصدقائي يساندونني ويتعاطفون معي، وكم أكون سعيدا وقويا عندما أكون سببا في تخفيف المعاناة عن المعتقلين وعوائلهم وعن أي مظلوم في هذا البلد.

لهذا أوجه رسالة أخيرة لهذه الأجهزة الأمنية: غيروا من أسلوب تعاملكم مع أبناء هذا الوطن، وارتقوا في التعامل معنا فنحن بشر ولنا حقوقنا التي لا يمكن أن نتخلى عنها.

Continue Reading
Advertisement
MEDIUM RECTANGLE