Connect with us

Published

on

بانجي – أفريقيا الوسطى | أحوال المسلمين

يعيش بضعة آلاف من مسلمي أفريقيا الوسطى في العاصمة بانغي بحالة حصار، تدعي القوات الأممية حمايتهم من هجمات مليشيات البالاكا المتكررة، بعد أن نزح أغلبهم منذ مجازر عام 2013 بعد الانقلاب.

شهدت بانجي العاصمة تغييرا في تركيبتها السكانية بعد أن غادرها معظم المسلمين خوفا على أنفسهم إلى مناطق أخرى، ولم يبق منهم إلا قلة اختاروا البقاء والتمسّك بأرضهم وممتلكاتهم.

“كيلو خمسة”، آخر معقل لازال يمتلكه المسلمين فى بانجي، هناك يتمسك العديد من المسلمين بمقولة “من يمتلك السلاح، تكون له الكلمة، ومن تكون له الكلمة، تكون له السلطة الكاملة”، و على اثر هذا أنشأ المسلمون مجموعة مسلحة للدفاع عنهم أسموها قوات الدفاع؛ يتزعم هذه القوات القائد العسكرى “نور” و الذي صرح خلال المجازر قائلا ” بيت مسلم واحد بثلاثين بيتاً نصرانياً”، مؤكدا على لسانه أن قوات الدفاع تدافع عن كل حق من حقوق إخوانها.

آثار الحرب لا تخفى على أحد وهى الأكثر بروزاً في الحي، الدمار والقتل تسبب فى هجرة آلاف العائلات التى قد حرّقت منازلهم، و دمرت مساجدهم، و سرقت أغلب مقتنياتهم من لدن الميليشيا النصرانية تارة و جنود البعثة الأممية تارة أخرى.

هنا في كل تقاطع شارع تجد نقاط التفتيش، حيث يقوم الجنود بتفتيش البطائق التعريفية للمواطنين و السماح أو الإذن لهم بالمرور الى الجهة الأخرى، من المهام التي يقومون بها أيضا (الجنود) رصد أى حراك أو تظاهرة فى محيط المنطقة الخاصة بالنصارى و المسلمين، فضلاً عن العديد من أبراج المراقبة البدائية التى قد بُنيت من رفات البيوت التى عثروا عليها.

المسجد المركزي في حي الكيلو خمسة في بانجي

المسجد المركزي في حي الكيلو خمسة في بانجي

جنود قوات الدفاع عن النفس القاطنين بمنطقة “الكيلو خمسة” ما هم إلا مجموعة من شباب عاطلين عن العمل، لا يسمح لهم بمغادرة الحي و لا يقدرون على التجارة لفقرهم الشديد بعد أن سرقت أمتعتهم، فقدوا عائلاتهم أثناء الحروب والآن يريدون القصاص، ويتدرب معهم كثير من الأشبال الصغار، من بينهم “عواد” ذو الستة أعوام والذى يحارب منذ الخامسة، فعندما تنظر لوجهه ترى رجلاً وليس طفلاً.

“قتلت الأنتى بالاكا (مليشيا نصرانية) جميع عائلتي” هكذا قال عواد بصوت حزين ناظراً إلى القائد “يوسف أحمد” الرجل الثانى فى قيادة الميليشيا المسلمة والذى ظهر فجأة من داخل أحد البيوت التى تستخدم كوحدة طبية، فقاطعه قائلاُ :”وذلك حتى يعرفوا جيدا أن رسالتنا ستكون قوية وواضحة”.

وأكمل عوّاد قائلاً :”إننى أقاتل دفاعاً عن المسلمين”، و يكمل :”لقد أرسلنى والدىّ لقضاء حاجة، وعندما عُدت إلى البيت وجدت ميلشيا الأنتى بالاكا قد قتلتهم جميعاً، لذلك ذهبت إلى قوات الدفاع الذاتى وأصبحتُ جندياً فى صفوفهم”. كان عواد فى البداية يحمل لهم الرسائل ويأتى لهم بالطعام ويساعدهم فى ذلك، أما الآن فهو يشكل جزءاً هاماً فى صفوفهم، فهو يحرس القائد “فورثى أنيميرى”.

واستكمل عوّاد حديثه قائلاً :”لقد رحبوا بي وهم الآن يعتبرونني واحداً من عائلاتهم” ناظرا إلى القائد أحمد الذى كان يبادله النظرات بابتسامة؛ هذا الطفل الذى ذاق الموت وعرف معنى البؤس فى عمر مبكر جداً و ذلك مقابل عدم تدخل المنظمات الدولية وعدم وصول مساعدتها.

فى الوحدة الطبية يوجد “حسان عبد العزيز” جريح منذ ستة أشهر، قد تمزقت ساقه اليمنى تماماً فقد أصيبت بثلاث طلقات مما أدى إلى تعفنها وإصابتها بغرغرينا، و لا يزال مستلقيا على نقالة، إنها معجزة أنه مازال على قيد الحياة.

أحد المتاجر المتواجدة داخل حي الكيلو خمسة في بانجي

أحد المتاجر المتواجدة داخل حي الكيلو خمسة في بانجي

” هذا هو كل ما أملكه من الدواء” هكذا قال حسان مشيراٌ إلى صينية بجانبه تحتوى على بعض من حبوب الباراسيتامول والإسبرين. يستدرك حسان :”الألم غير محتمل بالمرة، لا يمكننى أن أتحمل أكثر من ذلك، لكن لا أريد أن يبتروا ساقى”.

“يبلغ طول المنطقة خمسة كيلو مترات مربعة وهذه هى النقطة التى تحدث فيها غالبية المناوشات” هكذا وصف يوسف المنطقة، التي تبعد أمتار قليلة من محطة الإنقاذ الواقعة على جسر حدود قناة المياه الكبرى المنسكبة من المنطقة المسيطر عليها من قبل النصارى، والتى تقابلها فى الجهة المعاكسة لها، و التي تعتبر نهاية أراضيها.

و صرح الرجل الثانى في قوات الدفاع عن النفس قائلا” العدو فى الجانب الآخر، و تارة يقوم بالهجوم لإثارة الحرب والاستفزاز دون سابق انذار، ومن أجل ذلك نعبر الجسر سريعا إلى الجانب الآخر حتى نتبين عن بُعد مواقع النصارى المزعومة”، و يضيف يوسف بإصرار” نحن لا نهاجم، نحن ندافع عن أنفسنافقط، وفى كثير من الأحيان نتجنب تلك المناوشات حتى يسود الإستقرار فى المدينة”.

مدرسة نصر الدين في حي الكيلو خمسة بالعاصمة بانجي

مدرسة نصر الدين في حي الكيلو خمسة بالعاصمة بانجي

في الحي ذي الغالبية المسلمة، يتوافد النصارى التجار و معارف كثر للمسلمين الى الحي من أجل الزيارة أو بغية عمل، بينما يقيم آخرون جنبا الى جنب مع المسلمين، و خلال تواجدهم في الحي تحرص قوات الدفاع على تأمين تحركاتهم و الدفاع عنهم، و قد علّق أحد هؤلاء النصارى قائلاً :” قوات الدفاع عن النفس تحمينا وتجعلنا نعيش فى سلام”.

مساجد

المسجد في الإسلام

Published

on

المسجد ليس ديرًا ولا كنيسةً، وليس في الإسلام رهبانية تقطع المسلم عن مجريات الحياة، بل إنه دِين كامل شامل، ومن هذا المنطلق فإن البيت الذي اختص للعبادة في الإسلام لا بد أن ينطلق من هذه الشمولية، ويستوعب جميع المجالات، ويهتم بجميع عناصر المجتمع الإسلامي، ويقوم باستخدام طاقات الشباب ومواهبهم استخدامًا نافعًا للإسلام، ويزود أبناء الجيل الجديد بزادٍ من التقوى والإحسان والسلوك والمعرفة، ويغرس فيهم حب الإيمان والعمل الصالح.

و الشيء الذي دفعنا للحديث عن المسجد ودوره في البعث الإسلامي، هو أنه اليوم لا يلعب الدور المطلوب في هذا المجال، في حين أنه مرجو ليكون في مقدمة المؤسسات الدينية والتربوية التي عليها أن تتحمل النصيب الأوفر في هذا المضمار.

ورب نظرة خاطفة عن دور المسجد عبر التاريخ الإسلامي، ترينا حقائق كثيرة، وتطلعنا على أمور ما أحوج المسلمين اليوم للتعرف عليها: ذلك أن بناء الرجال وصناعة المجتمعات، وتحميس الأفراد، وتنقية قلوبهم وأفكارهم وعقد ألوية الجهاد في سبيل الله، كل هذه الأمور كانت من عمل المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق الله تعالى إذ يقول: “في بيوت أذن الله ان ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء من غير حساب”. سورة النور.

في هذا المبحث سنتعرف على دور المسجد في المجتمع الإسلامي، و المجالات التي كان يشملها.

الطهارة الحسية والمعنوية

إن المسلمَ مطالَبٌ في صلاته بأن يكون طاهرَ الثوب، والبدن، والمكان، وأن يكونَ طاهرًا من الحدَثَيْنِ الأكبرِ والأصغر، وحين يصلي فإن الصلاةَ تُطهِّرُه من الذنوب والآثام، يقول الله تعالى: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].

دار القضاء

كان المسجد دارًا للقضاء، والفصل بين المتخاصمين؛ حيث يأمَنُ فيه كلُّ إنسان على نفسه، ويطمئنُّ على أخذ حقه؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ﴾ [سورة ص: 21، 22].

قال الإمامُ القرطبي في تفسيره: “ليس في القرآن ما يدلُّ على القضاء في المسجد إلا هذه الآياتُ، وبها استدَلَّ من قال بجواز القضاء في المسجد، ولو كان ذلك لا يجوز – كما قال البعضُ – لَمَا أقرَّهم داود عليه السلام على ذلك، وقال لهم: انصرفا إلى موضع القضاء”.

وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم والخلفاءُ يقضُون بين النَّاس في المسجد. [1]

مدرسة/جامعة

ذكر عبد الرحمن السيد في كتابه (مدرسة البصرة النحوية) في هذا الصدد: “لم تكن هناك بطبيعة الحال مدارس منظمة أو معاهد مهيَّأة يلتقي فيها المعلمون والمتعلمون على النحو الذي نراه في عصرنا الحاضر، وإنما كانت الدراسة ملائمة لهذه الحقبة من تاريخ البشرية، متماشية مع حاجات الناس في ذلك العصر المتقدم، فكان من جملة ما يسعى إليه الدارسون لأخذ العلم والأدب واللغة المساجدُ، فكانت حلقات الدراسة تُعقَد فيها”.

و لم تكن المساجد على هذه الحالة في البصرة فقط، فقد عمت جميع مساجد العالم، حتى مساجد تمبكتو في مالي دأبت على نفس المنوال، و أذكر ما قال عبد الرحمن السعدي في كتابه “تاريخ السودان”:

“ولم تكن تمبكتو تضم فقط هذه المساجد الثلاثة المشهورة: بل ضمت مساجد أخرى: ولكنها لم تصل إلى شهرة هذه الثلاثة ومكانتها في التاريخ الحضاري الإسلامي لغرب إفريقيا، وقد أوصل المؤرخون عددها إلى أكثر من تسعة مساجد .

كانت هذه المساجد الثلاثة – بصفة خاصة – معاهد تعليمية كبرى. ومراكز ثقافية مهمة، مثل الجامع الأزهر بالقاهرة؛ والجامع الأموي بدمشق. وجامع الزيتونة بتونس؛ وجامع قرطبة بالأندلس؛ وجامع القرويين بفاس. وغيرها من المساجد الإسلامية الكبرى.

فكانت المرحلة العليا من التعليم – في هذه المساجد التمبكتوية – تشبه ما كان بالأزهر قديما وما هو كائن اليوم. إذ إن حلقات الدراسة مازالت تعقد في جامع تمبكتو، وينتظم فيها طلبة الدراسات الإسلامية؛ الذين يمنحون شهادة الإجازة (الليسانس)؛ تماما كزملائهم الذين يتخرجون في الكليات المختلفة في جامع الأزهر .

ويسمي بعض المؤرخين هذا النوع من التعليم المسجدي بالجامعات العامة. لأنه يجمع بين فكرة التخصص الدقيق وفكرة الثقافة التربوية العامة. وهو تعليم إسلامي أصيل. وضعت بذرته الدعوة الإسلامية وما تمت ظلالها .” [2]

ناهيك عن انتشار الكتاتيب في المساجد، و تطور كبير في بعض منها، كما حصل في مسجد القرويين، و الذي استحدث فيه أول جامعة في العالم.

و بخصوص الكتاتيب: فهي بداية التعليم لدى الطفل، ومفردها كتّاب ويطلق عليه المكتب، وسمي بذلك لأنه يتعلم فيه التلميذ الكتابة؛ ويطلق عليه أهل صنعاء واليمن المعلامة. والمعلامة: غرفة ملحقة في الغالب بأحد المساجد أو تجاورها، يأتي إليها الأطفال في سن السادسة من العمر يوميا لتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، والتدرب على قراءة القرآن الكريم: وكان المعلمون لا يتقاضون أجرًا رسميا مقابل تعليمهم للصبيان، بل كانوا يعتمدون على ما يدفعه لهم الصبيان من نقود في آخر الأسبوع، وكان أهل صنعاء يسمونها: “حق الخميس”. [3]

مكتبة

تحتوي العديد من المساجد خلال مختلف الأزمة على العديد من الكتب التي تهم المسلم، دينا و دنيا، و تكون مفتوحة للعامة لمن أراد القراءة.

وأذكر منها [4] :

مكتبة الحرم المكي

مكتبة أيا صوفيا

مكتبة مسجد أبي أيوي

مكتبة مسجد السلطان أحمد الثالث

خزينة جامع السلطان محمد.

وفي الجامع الكبير في صنعاء مكتبة تحتوي على مخطوطات هامة وكتب قيمة، وقد بدأت هذه المكتبة صغيرة فكانت مجرد خزانة خشبية تقع في مؤخرة الجامع، ثم تطورت بعد ذلك تدريجيا وأقبل الطلاب من صنعاء وخارجها على هذه المكتبة؛ نظرا لكونها أكبر مكتبات الجوامع بصنعاء خاصة واليمن عامة؛ ولان الكتب التي بداخلها كتبت بخطوط رائعة [5].

و بإمكان الباحث أن يستزد في هذا الباب من خلال كتاب “المكتبات العامة الموصلية منذ القرن الثامن عشر و حتى القرن العشرين” للمؤلف قصي حسين آل فرج.

الفلك

كان للجامع الأموي الكبير (حلب) دور كبير كمؤسسة لعلوم الفلك، فقد درس فيه العديد من العلماء المشهورين أمثال: العالم ابن النقيب (900-971هـ/ 1494-1563م)[6] والعالم أحمد آغا الجزار (في القرن 19).

وقد قضى عالم الفلك العربي ابن الشاطر معظم حياته في وظيفة التوقيت ورئاسة المؤذنين في الجامع الأموي من عام 1332 حتى وفاته في عام 1376 [7]، وقد قيل أنه قام بتنصيب مزولة كبيرة على المئذنة الشمالية للمسجد في عام 1371. [8]

مكان للتشاور و الإستشارة

المسجدُ كان – ولا يزال – أفضلَ مكانٍ للتشاور بين المسلمين، في كل شأن من شؤون دِينهم ومعيشتهم؛ لأن المسلمَ في المسجد يكونُ بعيدًا عن هوى النَّفس ونزغات الشيطان.

مآل الفقراء و المساكين و أهل الصفة

الحرصُ على صلاة الجماعة وسيلةٌ ممتازة للتعرُّف على ظروف هؤلاء وأحوالهم، وهذا في الواقع يُعَدُّ هدَفًا من أهداف الإسلام حين رغَّبَ في صلاةِ الجماعة، وحثَّ عليها.

 عن مُعاذِ بن جبلٍ رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطانَ ذِئبُ الإنسان، كذئب الغنم، يأخذ الشاةَ القاصية والناحية؛ فإياكم والشِّعابَ، وعليكم بالجماعةِ والعامَّةِ والمسجد)) رواه الإمام أحمد في المسند.

>>حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال “أصليت يا فلان” قال “لا” قال “قم فاركع ركعتين”

قوله : ( قم فاركع ) زاد المستملي والأصيلي ” ركعتين ” وكذا في رواية سفيان في الباب الذي بعده ” فصل ركعتين ” ، واستدل به على أن الخطبة لا تمنع الداخل من صلاة تحية المسجد ، وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم لها فيحتمل اختصاصها بسليك ، ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد الذي أخرجه أصحاب السنن وغيرهم جاء رجل والنبي – صلى الله عليه وسلم – يخطب والرجل في هيئة بذة ، فقال له : أصليت ؟ قال : لا . قال : صل ركعتين ، وحض الناس على الصدقة الحديث فأمره أن يصلي ليراه بعض الناس وهو قائم فيتصدق عليه<< [9]

محمد بن خفيف رحمه الله من علماء الحنابلة قالوا قد نزل به الفالج، الفالج هو مثل الجلطة شلل نصفي، يقولون فكان إذا أُذّن عليه للصلاة إذا سمع الآذان قال :” احملوني إلى المسجد” قالوا : سبحان الله، إن الله قد عذرك، قال: “أعلم أن الله قد عذرني أعلم لكني لا أطيق” -لا أصبر- ثم قال :”إذا سمعتم حيّ عل الصلاة حيّ على الفلاح ولم تروني في الصف فاطلبوني في المقبره” يعني إن لم تجدوني في المسجد اعلموا أني قد مت، أنا في المقبره، “فاطلبوني في المقبره” !

دور للعلاج و حضانة للأطفال

في ترجمة العالم الجليل سليمان ربيع يذكر يوسف المرعشلي في كتابه “نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر ” قوله “كما أنشأ مستشفى خيريا كبيرا يجمع مختلف الأطباء في جميع التخصصات العلاجية: وأحدث الطرق العلاجية للأمراض المزمنة. وخاصة مرض الفشل الكلوي. حيث استورد جهازا للغسيل الكلوي ليكون بأسعار مخفضة ومتاحة للمرضى.

وقد الحق بالدور العلاجية مبنى للمسنين الذين لا يجدون من يقوم بخدمتهم، فأتاح لهم الراحة الكاملة، من خدمات ومماشات يومية. وعوضهم خيرًا عن أبنائهم وأقاربهم الذين اهملوا رعايتهم وحقوقهم بعد لن كبروا في السن.

وفي طريق طلب العلم ونشره أنشأ معهدًا كبيرًا وضمه للأزهر؛ وهى معهد الفتيات بمصر الجديدة. كما أتمّ بالحي نفسه بناء خمسة عشر مسجدًا، وألحق بكل مسجد دورًا للعلاج وحضانة للأطفال وتعليمهم.” [10]

مستشفى

لقد كانت المستشفيات في بلاد المسلمين تُبنى في أفضل الأماكن البيئية وأبعدها عن أسباب التلوث والتغير؛ وبدأ ذلك منذ فترة باكرة، فأول بيمارستان في الإسلام كان خيمة نُصِبت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد هو أطهر مكان في أرض المسلمين، إذ يجتمع الناس فيه للصلاة وهم متطهرون، وكان أول ذلك الأمر بعد غزوة الأحزاب، وكان أول من عولجوا هم جرحى هذه الغزوة، وعرفت الخيمة باسم طبيبتها رفيدة الأسلمية فكان يقال «خيمة رفيدة» [11]

ونرى كثيراً من المستشفيات في الحضارة الإسلامية بُنيت بجوار المسجد، ويزداد الأمر وضوحاً إذا علمنا أن المسجد كان هو مركز المدينة الإسلامية وأفضل البقاع فيها، وأحياناً تُبنى بجوار القصور أو تُحوَّل القصور إلى مستشفيات، ولا ريب أن القصر يُبنى في أفضل المواقع من المدينة كما هو معروف ومتوقع. وأحياناً لا تبخل علينا المصادر فتصف موقع المستشفى بمزيد تفصيل فإذا بنا نجده على شاطئ نهر أو على شاطئ بحيرة (وتسمى: بِرْكَة) أو نحو هذا.

فمن هذا ما ورد من أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بنى بيمارستاناً «كان مكانه في قبلة مطهرة الجامع الأموي» عند المئذنة الغربية.[12]

و لمن أراد الإستزادة في هذا الصدد، فبإمكانه مراجعة مقالة مجلة البيان “مواقع المستشفيات في الحضارة الإسلامية”. [13]

توثيقِ عقود الزواج

كان المسجد دارًا لتوثيقِ عقود الزواج؛ لِما رواه الترمذيُّ وغيرُه، عن عائشةَ رضي الله عنها، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أعلِنوا هذا النكاحَ، واجعَلوه في المساجدِ، واضرِبوا عليه بالدُّفوفِ)).

ولكي يعود للمسجد دورُه الرِّياديُّ في نهضة الأمَّة وتقدُّمها، واستعادة مَجْدها؛ فإنه ينبغي أن يمكَّنَ للمسجد كي يؤديَ رسالته الرُّوحية، والتعليمية، والاجتماعية، دون قيود؛ لكي يعودَ كما كان مِحورًا للعديد من المجالات النافعة للأمة؛ كأن يُلحَق به نادٍ للشباب يمارسون فيه رياضةً بدنيَّة خفيفة، ويقومون بأنشطة ثقافية وترفيهية، وأن يضم مكتبةً أكبر للقراءة والمطالعة، يتزوَّدُ فيها رواد المسجد بالثقافة الرَّفيعة.

وينبغي كذلك أن يقومَ المسجد بدوره في رعاية الطلاب، وتقديمِ العون لهم؛ كي يتفوّقوا في دراستهم؛ تخفيفًا عن كاهل أولياء أمورهم، ولكي تتوثَّقَ علاقة الشباب بربِّه عن طريق ارتباطه بالمسجد.

المراجع

[1] تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) 1-11 ج8 ص 118

[2] تاريخ السودان (كتاب في تاريخ الإسلام والثقافة والدول والشعوب) ص 74

[3] تاريخ صنعاء منذ فجر الإسلام وحتى أواخر القرن الرابع الهجري. ص:299

[4] تفسير الراغب الأصفهاني المتوفي في حدود سنة 450هـ دراسة وتحقيقاً من اول سورة آل عمران

[5] عفيفي البهنسي: الجامع الكبير بصنعاء، دراسة تاريخية و معمارية لأقدم مسجد دامع في اليمن، ص 130

[6] “خليل بن أحمد النقيب.” الموسوعة العربية، (http://arab-ency.com/.)

[7] Charette، François (2003), Mathematical instrumentation in fourteenth-century Egypt and Syria: the illustrated treatise of Najm al-Dīn al-Mīṣrī (Kitāb Fī Al-ālāt Al-falakīyah). p.16

[8] Selin، Helaine، المحرر (1997)، Encyclopaedia of the history of science, technology, and medicine in non-western cultures p.413

[9] فتح الباري شرح صحيح البخاري 888

[10] نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر  ص 1834

[11] ابن هشام: السيرة النبوية 2/239، الطبري: تاريخ الطبري 2/586

[12] ابن العماد: شذرات الذهب 7/584

[13] رابط المقالة في مجلة البيان.

Continue Reading

العالم الإسلامى

تركيا : مسجد أحمد حمدي أكسكي في أنقرة بين البروتوكول و الأطفال

Published

on

أنقرة – تركيا | أحوال المسلمين

يمتاز جامع أحمد حمدي أكسكي الواقع بقلب العاصمة التركية انقرة بإعتماد مصمميه على تقنيات مزجت بطريقة مدهشة بين العصرنة وسحر الخط العربي وجمال الزخرفة الإسلامية العريقة.

المسجد الذي أمضى على إفتتاحه 4 سنوات خلال شهر أبريل الماضي على مساحة 90 ألف متر مربع، فاتحا المجال لسعة 6 ألف مصلي منه جناح مخصص للنساء، يستمد شهرته مقارنة بالمساجد الأخرى بتركيا من إدخال تقنيات جد حديثة في بنائه حسب المصممة والمهندسة المعمارية ومنسقة مصممي المسجد.

CInJz8oUkAAGQ4v

ينفرد المسجد عن باقي المساجد الأخرى بالبلاد أنه كان الأول الذي أعتمدت فيه تقنية خاصة للقضاء على رائحة الأحذية من خلال وضعها في علب حائطية في مدخل قاعة الصلاة مزودة بنظام تهوية أتوماتيكي يمتص الرائحة ثم يعالجها داخل فتحة داخلية تمتد الى أعلى المسجد بطريقة محافظة على البيئة، حيث تحتوي كل علبة في إحدى زواياها الجانبية على مصباح صغير يضيئ بالأخضر عند إنتهاء  العملية في كل مرة.

كما أن المعلم الهندسي الذي يعد من أكبر مساجد أنقرة توجد كل أجهزة تكبير الصوت فيه وكذا الإضاءة خفية ومندمجة في أجزاء من جدران قاعة الصلاة خاصة بشكل يضفي على المسجد  طابعا سحريا ويعطي إنطباعا لدى المصلين بأن الضوء والصوت طبيعيين.

أما نظام التكييف بالمسجد فهو ثابت طيلة أيام السنة حسب مريح أيلايج التي أكدت للصحفيين أيضا بأن الأجزاء الداخلية لقاعة الصلاة بما فيها القبة التي يقدر  علوها ب 50 مترا وعرضها 35 مترا  غير عاكسة للصدى  وكل المواد التي اعتمدت في بناء وتجهيز المعلم محلية وتركية مائة بالمائة.

CInJ0iRUcAA1gac

يزخر جامع أحمد حمدي أكسكي بانقرة زخارف ولوحات خزفية تعكس الحضارتين السلجوقية والعثمانية تعكس ثراء وسحر الحضارتين السلجوقية والعثمانية بمسحة فنية زادت من جمال المعلم.

وتظهر جليا للعيان الأقحوانة الكبيرة التي تعد تراثا طبيعيا محميا بتركيا وتسمى محليا (لالة) في الزخارف النباتية التي تزين الأعمدة الخرسانية المتواجدة خارج قاعة الصلاة .

وفيما يخص الخطوط التي كتبت على أرضية سوداء بالنسبة للآيات القرآنية وفاتحة للأحاديث النبوية الشريفة أستعملت فيها 7 أقلام خط مختلفة من الرقيق الى الضخم لكن براعة الخطاطين أخفت كل ذلك بل وظفت اللون الذهبي الذي كتبت بها الآيات القرآنية لدعم إضاءة المكان.

وما يشد إنتباه زائر المسجد خارطة الجوامع بالعالم التي قالت آيلايج أن قطعها الخزفية هي صناعة يدوية حيث رسمت ولونت من طرف فنانين إثنين من  أبرز المختصين في الخزف الصيني والمنمنمات بتركيا.

ويظهر على  اللوحة التي يغلب عليها اللون الأزرق بتدرجاته  99 جامعا من أشهر وأكبر المساجد الموجودة في العالم تتوسطها الكعبة الشريفة، و جاء إعتماد رقم 99 كإشارة لأسماء الله الحسنى فيما ترمز النجمة العشرية التي تتكرر في مختلف الأشكال الهندسية المركبة في الزخارف الحائطية الى أن الله كامل الأوصاف.

أما اللوحات العملاقة التي تزين مداخل الأبواب الستة للمسجد فتتميز بالكلمات المنحوتة فيها التي تتم قراءتها من الأعلى والأسفل وتعطي نفس المعنى وأجملها تلك الموجودة على مدخل الباب المقابل لمحراب قاعة الصلاة.

متحف لمصاحف القرآن الكريم و التركواز مسيطر على ألوان الجامع

CInJ0x2VEAAvS2o

ومن بين المرافق العديدة التي يتوفر عليها الجامع الذي أطلق عليه إسم أحمد أكسكي وهو رئيس الشؤون الدينية الثالث الذي حظي بإعجاب كبير من طرف هادم الإمبراطورية العثمانية و مؤسس تركيا، مصطفى كمال اتاتورك، متحف المصاحف الشريفة الذي يضم مخطوطات قديمة للمصاحف منها المطرزة بالذهب الخالص.

ويتوفر المسجد الذي تعلوه أربعة مآذن على مكتبة للشباب، وتحيط به حديقة تتوفر على أشجار ونباتات مختلفة فيما تطغى على الألوان  المستخدمة داخل وخارج المسجد اللونان الأخضر والأزرق أو ما يعرف بالتركواز الذي يجمع بين لون السماء وخضرة الأرض.

مسجد البروتوكول

تركيا أنقرة

عقب إنشاء مسجد أحمد حمدي أكسكي، أعلن وقف الديانة التركي أن جنائز الرؤساء المتقاعدين و رؤساء المجلس و أعضاء الحكومة و موتى ضباط الجيش ستؤدى مراسمها في المسجد بدل مسجد كوجاتيبي (الهضبة الكبيرة) الذي كان يحتضن هذه الجنائز.

مسجد الأطفال

13417443_1756076054607184_207275307320183408_n

عقب إنتشار صور أطفال يلعبون داخل مسجد أحمد حمدي أكسكي في قسم خاص بهم، سارع العديد من الأتراك على مواقع التواصل الإجتماعي بتسمية المسجد بـ”مسجد الأطفال”، مسجد أظهرت تعليقاتهم أنهم لطالما حلموا به و تمنوا وجوده، لما يضفي على المسجد من قيمة مسلوبة في حاضرنا، و هي جعل المسجد محور حياة الإنسان و غرس حب بيوت الله تعالى في نفوس الأطفال وتعويدهم على الحضور إليها للتعلق قلوبهم بها، مع حثهم على العناية بها ونظافتها واحترمها والهدوء فيها وتشجيعهم على ذلك بكل وسائل التشجيع والتعزيز.

(المصدر : أحوال المسلمين + وكالات)

Continue Reading

مساجد

فرنسا: إعتداء متعمد بمسجد “السلامة” بمدينة أوش يودي بحرق %70 من المسجد

Published

on

By

أحوال المسلمين |  باريس – فرنسا

نشب حريق هائل بمسجد “السلامة” بمدينة أوش الفرنسية، و هرع رجال الإطفاء الى اخماد الحريق الذي وصفوه بالمتعمد جراء عثورهم على رائحة بنزين قوية بالمسجد.

هذا وتسبب الإعتداء بحرق 70% من المسجد فإلتهمت النيران المبنى ودمرت غرفتين للصلاة وأجزاء كبيرة من السقف، في حين أنه لم يخلف الحادث أي مصابين، ونشرت وسائل الإعلام الغربية تصريحاً للرئيس الفرنسي “فرانسوا أولاند” يدين هذا الإعتداء

من جهة أخرى أصدر “محمد الموساوي” رئيس اتحاد مساجد فرنسا بياناً أعلن فيه عن أسفه الشديد لهذه الحادثة ودعمه الكامل للمسؤولين عن المسجد والجالية المسلمة القاطنة بالمدينة، كما دعا مسلمي فرنسا إلى المساعدة من أجل إعادة بناء المسجد، وطالب محمد الموساوي السلطات القضائية إلى بذل قصارى جهدها للتعرف على مرتكبي هذا الحريق المدمر، وإلى تعزيز التواجد الأمني أمام أماكن العبادة.

يذكر أن مسجد السلامة تعرض لهجوم في يناير الماضي من هذا العام، حيث قام متطرفون بوضع لحم خنزيرداخل المسجد، بالإضافة الى تدنيسه عبر كتابتهم مخطوطات عنصرية نازية.

ويعاني المسلمين في الغرب وخاصة ” فرنسا” من إعتداءات من قبل متطرفون حيث يذكر أنه بعد حادثة ” شارلي ايبدو” التي جاءت رداً علي الرسوم المسيئة للنبي صلي الله عليه وسلم، وصل عدد الهجمات ضد المسلمين الي 100 حادثة وذلك خلال الإسبوعين بعد الحادثة.

Continue Reading

مساجد

بلوشستان :اغتيال مُصلى امام مسجد “مكي” بـ زاهدان

Published

on

في صباح يوم السبت الموافق 29 نوفمبر استيقظت سكان العاصمة زهدان على خبر اغتيال رجل يدعى “خدا نظر براهويى البلوشي ” خارج مسجد مكي في زاهدان عاصمة بلوشستان الغربية المحتلة من مجهولين يشتبه في انتمائهم للميليشيا الشيعية الصفوية.
image

و وفقا للتفاصيل فانه قام مسلحون باطلاق النيران على الضحية فور خروجه من المسجد بعد صلاة الفجر، وذكر شهود عيان ان 3 أشخاص كانوا يستقلون سيارة بيضاء اللون و انتظروا خروج المصلي من المسجد وأطلقوا النار فى جنون فور خروجه.
و لم يتم القبض على أي من المهاجمين حتى الآن او حتى التعرف عليهم، ولكن هده الجريمة تشبه سابقاتها من الجرائم التيك اعتاد على فعلها شيعه ايران ضد اهل السُنة فى اقليم البلوش المحتل .

Continue Reading

أمريكا

نيجيريا : جماعة “بوكو حرام”.. نشأتها ومبادئها وأعمالها

Published

on

د. أحمد مرتضى(*)

 

نتيجة انحسار سيطرة الدولة الإسلامية عن العالم الإسلامي منذ القرن الرابع عشر الهجري – بدايات القرن العشرين الميلادي -؛ كثُر انبثاق الجماعات الإسلامية، وأصبح ذلك من إرهاصات عصر العولمة في القرن الحادي والعشرين الميلادي.

والهدف من هذا البحث هو القراءة الواعية لحركة «جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد»، المشهورة بـ «حركة بوكو حرام»، وذلك من حيث نشأتها، وتبلورها، والنظر في مبادئها، والأدلة التي استندت إليها، وهذا يقتضي التعمق في أدبياتها، والتأمل الدقيق للأقوال الصادرة من علماء الحركة، من أجل تكوين رؤية واضحة سليمة الدعائم.

ويعتمد هذا البحث على الأشرطة التي بثّ قادة الحركة فيها دعوتهم، وشرحوا خفاياها وزواياها، ومجموع هذه المفردات إذا صيغت في منظومة متحدة السياق تفيد في تحقيق هذه القراءة؛ إذ بهذه الطريقة فقط نستطيع أن نقوّم هذه الجماعة تقويماً مناسباً لمقتضيات بروزها على الصعيد الوطني، وصمود أعضائها على آراءهم.

ويدور البحث حول سبعة محاور وخاتمة، على النحو الآتي:

 

أولاً: المفهوم الحقيقي وتداعيات النشوء.

ثانياً: المواجهات المسلحة.

ثالثاً: مبادئ الحركة.

رابعاً: مناهج الدعوة وآلياتها في الحركة.

خامساً: علاقة «بوكو حرام» بتنظيم القاعدة.

سادساً: التمويل في حركة «بوكو حرام».

سابعاً: موقف العلماء والعامة من الحركة وأفكارها.

ثم الخاتمة.

 

أولاً: المفهوم الحقيقي وتداعيات النشوء:

الاسم الحقيقي لهذه الحركة هو «جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد»، وهو الاسم الذي يردّدونه ولا يرضون لهم اسماً سواه، وأطلق عليهم الناس، وبخاصة الإعلاميون، اسم «جماعة بوكو حرام»، وهذه التسمية قد شجبها أعضاء الحركة، ويفضّلون التسمية التي اختاروها لأنفسهم.

وأما مفهوم «بوكو حرام» المشاعة، وهي كلمة هوساوية، فلم يكن يعرفه سوى أهل الهوسا، وهي كلمة مركبة تركيباً مزجياً من لغتي الهوسا واللغة العربية، وقد كان الهوساويون يستعملون كلمة «بوكو» ويعنون بها «نظام التعليم الغربي»، وإذا أضيفت إليها كلمة «حرام» أصبح المعنى: نظام التعليم الغربي حرام، وبالأحرى أن تُفسر الكلمة بمحتواها الدلالي، وليس وِفق الترجمة الحرفية، وعلى ذلك يمكن أن تكون الترجمة الصحيحة هي: «اتباع النظام التربوي على السياق الغربي حرام».

ولم يشتهر لقب «بوكو حرام» اشتهاراً على مدى أوسع إلا بعد الاشتباكات الأخيرة في شعبان من السنة 1430هـ / يوليو – أغسطس 2009م، وإنما اشتهر المنتمون إلى «محمد يوسف» في ولايتي «برنو» و «يَوبي» بـ «اليوسفيّين»، نسبة إلى اسمه، ولا يرون غضاضة في إظهار هذه التسمية اقتناعاً منهم بها في تلك الفترة.

وأما «بوكو حرام»؛ فهي تسمية مشتقة من الفكرة التي يكثرون ذكرها مراراً لنصيحة المسلمين، وبخاصة الآباء، وطلبة المعاهد والجامعات، وسائر المعتنين بالتربية، فلُـقّبوا بها من باب التلقيب بما أكثر المرء من ذكره.

للناس من الكُتّاب والصحافيين، حتى العوام، تفسيرات عدة في تحديد المقصد الحقيقي لـ «بوكو حرام»، ولعل ذلك ناشئ عن عدم تداول أشرطة علماء «بوكو حرام» على نطاق واسع بين الأوساط العلمية وجمهور الناس، ولكن خير من يُعرب عن مفهوم الحركة هو زعيمها «محمد يوسف»، فقد كانت له خطب ومحاضرات خاصة بتفسير مقصدهم من تحريم دراسة «بوكو».

بعد إلقاء زعيم الحركة «محمد يوسف» محاضرة في ولاية «يُوبي Yobe»، أجاب عن سؤالات وُجهت إليه، كان من ضمنها سؤال عن مقصوده بتحريم «بوكو»، فقال: «يعنون بذلك الدراسة في المدراس التي أسّسها المنصِّرون، ويشمل هذا: المناهج الدراسية المقرّرة منذ الابتدائية، مروراً بالثانوية والمعاهد، إلى الخدمة الوطنية، حتى العمل».

 

خلفية لا بد منها:

قبل 2002م لم يكن هناك فكرة لحركة «بوكو حرام»، وإنما تمّ تأسيسها بعد حادثة 11 من سبتمبر، والأستاذ محمد يوسف من مواليد قرية نائية في منطقة يُونوساري من بلدة «غَشُوَ Gashuwa» من ولاية «يُوبيYobe » حالياً في شمال نيجيريا (1)، قبل اثنتين وثلاثين سنة من تأسيس الحركة.

في منتصف الثمانينيات ظهرت حركة «الإخوان المسلمين Yan Brothers» على المسرح العلني بزعامة إبراهيم الزكزكي، وقد اكتسبت حركته شباباً كثيرين، وقد انتظم «محمد يوسف» في هذه الحركة، المعروفة باعتمادها أسلوب الحماسة، وإثارة العواطف ضد الدولة باسم الدين.

وكان اهتداؤه إلى جماعة أهل السنّة والجماعة متأخراً، و «أبو يوسف» – كبعض الشباب المتحمّس- لم يلتحق بالدراسة النظامية، وإنما التحق بالفصول الليلية لمحو الأمية بمعهد الكانمي، ولكنه انفصل عنها بعد الفترة الثانية، وكانت مدة دراسته فيها سنة كاملة، إلا أنه أتقن القرآن اتقاناً في المدرسة القرآنية التي يتولاها والده، وقد حضر دروس بعض رموز السنّة في نيجيريا، وبعد الاهتداء إلى العلم عكف على الكتب الدينية باجتهاد شخصي.

وقبل 1994م بقليل ظهر التشيُّع والميل إلى العمالة للجمهورية الإيرانية في تصرفات زعيم جماعة الإخوان المسلمين «إبراهيم الزكزكي» وبعض المقربين منه، فتفككت جماعة «الإخوان» إلى كتلات، استمر بعضهم مع الزعيم الشيعي، وتوجه بعض آخر نحو السلفية، بينما أسس آخرون جناحاً جديداً على خطى الإخوان باسم «جماعة التجديد الإسلامي»، ورأوا الحفاظ على منهج «الإخوان» السابق بفارق جذري هو قطع الصلة بالجناح الشيعي بتاتاً، وبقي أمير كلّ بلد مع تابعيه؛ منتمياً إلى أحد الأجنحة الثلاثة؛ إما إلى الحركة الأولى بتوجهها الشيعي، وإما إلى الحركة الثانية برأيها التجديدي، أو الانتماء إلى أهل السنّة والجماعة.

 

تأسيس الحركة:

وفي غضون 1999م خضعت جمهورية نيجيريا – للمرة الثالثة – للنظام الديمقراطي، ولكن حاكم زنفرا الحاج أحمد ثاني يَرِيْمَابَكُورَا وجد في دستور الجمهورية النيجيرية مسوّغاً لإعلان تطبيق الشريعة في ولايته 2001م، ودعا سائر حكام الولايات الشمالية إلى ذلك، فاستجابت بعض الولايات للدعوة، بعد إلحاح شديد من قِبل رعايا هذه الولايات، فأعلنت حوالي اثنتا عشرة ولاية تطبيق الشريعة الإسلامية في حدود تخومها.

لا ريب أن الأستاذ محمد يوسف قد تأثر بانشقاق «جماعة الإخوان»، فتمكّن بصفته أحد رموز الإخوان من قيادة الفرقة التي انشقت معه، واستمر في تعليمهم وتوجيههم، واقترب من «جماعة إزالة البدعة وإقامة السنّة» جداً، ثم أصبح صدراً في ولايتي «يُوبي» و «برنو»، وبقي حيناً من الدهر على ذلك.

وبدأت أفكاره تتطور، ويُدخل تعديلات يراها تقدّمية في مجال الدعوة، لحدٍّ ملفت للنظر، ويرجع ذلك – كما قال الأستاذ محمد يوسف نفسه – أنه بعد انضمامه إلى جماعة الإزالة، كان هناك ثلاثة مساجد يتشاركون في إدارتها، فحصل تنازع في الإدارة بين أصحابه وبين جماعة الإزالة، وانتهى التنازع أخيراً بانحياز طلابه إلى أحد المساجد، وتركوا المسجدين الآخرين لجماعة الإزالة (2)، وهذه نقطة البداية، واستمر مع جماعته حتى استقل بتأسيس حركة «جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد» حوالي عام 2002م.

 

ثانياً: المواجهات المسلحة:

ترجع بداية المواجهات المسلحة إلى انبعاث جماعة – ممن تأثروا بدعوة «محمد يوسف» – للاشتباك مع رجال البوليس عام 2003م، بدأت الأحداث حين اعتزل بعضهم زاهدين عن الدنيا منعزلين عن الناس في قرية «كَنَمَّ Kanamma» وفي بلدة «غَيْدَمْ Gaidam» بالقرب من جمهورية النيجر، فاشتُبه في تصرفاتهم، وأُبلغت عنهم الشرطة، فتحقّقت الشرطة منهم بلا جدوى، ولكن أُبلغ عنهم للمرة الثانية بسبب ما يقومون به من أعمال مشبوهة، وفي هذه المرة هجم عليهم رجال البوليس والجند، وتركوا منهم قتلى وجرحى.

شوهد رجال البوليس يأتون بأعضاء الحركة حتى بعض العرجى منهم، فيطالبونهم بالاضطجاع على بطونهم، ثم يطلقون على كلّ فرد منهم رصاصتين أو ثلاثة

وفي حملةٍ مقابلة؛ خرج جماعة برئاسة الشيخ «بَابَ Baba» بغضبة عارمة للأخذ بالثأر، استأصلوا فيها رجال الشرطة الذين قابلوهم في الطريق، وقطعوا مسافة طويلة مشياً على الأقدام حتى وصلوا «دماتُرُو» عاصمة ولاية «يوبي».

وأهل «كنّم» متشدّدون لحدّ أنهم يكفّرون حتى محمد يوسف حسبما يقول هو نفسه (3) ، ولم ينشرح صدره بخروجهم، للعلاقة المعروفة بينه وبينهم، وقد بلغه خبر الخروج وهو في المملكة العربية السعودية، ومع ذلك انهالت عليه حكومة نيجيريا بالتهديد والضغوط، فبقي هناك قرابة ثلاثة أشهر، حاول بعدها الرجوع فأقنعه بعض الناس ليبقى إلى وقت الحج، وكان الباعث الحقيقي لزيارته في رمضان عام 2003م هو العلاج في مستشفيات المملكة، وعلى أية حال؛ فذلك الخروج يطلق عليه أعضاء الحركة في أدبياتهم بـ «جهاد كَنَمَّ JihadinKanemma».

ومن ثم استمر «محمد يوسف» يواجه التحديات من قِبل حكومة ولاية «برنو»، والحكومة الفيدرالية بالمراقبة والتفتيش، وكان بعض الدعاة يتهمونه بالغلو والتطرف، في حين أن بعضاً آخر من رجال الدعوة ينصحونه بأن يستبدل الضجيج بالهدوء ونشر العلم.

على الرغم من ذلك؛ فقد اتخذ «أبو يوسف» مدينة «برنو» معقلاً لدعوته، استمر فيه ناشطاً في تحريض الشباب على الجهاد ضد ظلم الحكام، وتحذير الناس من الدراسة على نمط «بوكو»، وضد كل ما يتّسم بـ «الحداثة»، ولم تفتر عزيمة «محمد يوسف» في هذه الفترة عن التجوال في كلّ مدن شمال نيجيريا من «برنو» إلى «صكتو» لإلقاء محاضراته في الدعوة والاستعداد للجهاد.

وقد وفّق لحشد مجموعة من الشباب المتحمّس لإقامة الدولة الإسلامية، جاؤوا إليه مبايعين من الأماكن التي انتشرت فيها دعوته، وخصوصاً من ولايات الشمال الشرقية الخمس، وهي: «غومبي» و «أدماوا»، بالإضافة إلى «برنو» و «يوبي» و «بوثي».

وانتشرت دعوة الحركة أيضاً في ولايات الشمال الغربي، وهي: «كانو»، و «جيغاوا»، و «كتسينا»، و «صكتو»، و «كبي»، وتجاوب معه فيها عدد قليل، وإذا هاجر الناس إلى «برنو» يتجمّعون في المركز، وفي حارة «قَوزَارِي Gwazari» على طريق الذهاب إلى حارة «رُوَنْزَافِي RuwanZafi» في «ميدغري».

 

مجزرة شعبان 1430هـ / يوليو 2009م:

وفي بداية سنة 2009م صدر قرار من الحكومة الفيدرالية باستعمال القلنسوة الواقية للرأس، وقد تزامن هذا مع تحايل قام به بعض السارقين لاغتصاب أموال طائلة من والد حاكم ولاية «برنو» – على ما يقال -، فاشتط الحاكم غضباً وأمر رجال البوليس بتنفيذ قرار القلنسوة الواقية في أطراف ولاية «برنو»، وسمّى مهمتهم الخاصة بـ Operation Flush Out ، وقد نفذوا تلك المهمة بتشدد بالغ، تأذى منها شعب ولاية «برنو».

وفي هذه الأثناء خرج بعض أتباع «محمد يوسف» لحفر قبر دون القلنسوة الواقية، فاستقبلهم رجال المهمة الخاصة بعنجهية واحتقار، ولما خرج سائر المشيعين للجنازة شاهدوا الوضع المهين لإخوانهم، فحصل اشتباك عنيف هناك، أسفر عن جرح قرابة ثمانية عشر رجلاً من عناصر الحركة، لم تقبلهم المستشفيات إلا بعد عناء، مما أدى إلى وفاة أربعة منهم بعدُ.

غضب «محمد يوسف» من هذه العملية، وألقى خطابه المشهور، الذي أسماه «الرسالة المفتوحة إلى رجال الحكومة الفيدرالية»، هدّد فيه الدولة، وحدّد لها أربعين يوماً للبدء في إصلاح العلاقة بينها وبين حركته، وإلا سيبدأ عملية جهاد على مدى أوسع لا يُوقِفه إلا الله! فمضت الأربعون يوماً بأيام قلائل، ولم تحرك الحركة ساكناً، غير أن القيادة قد أعدّت – فيما بدا للمحللين – تنظيماً واستراتيجية استعداداً لخوض الحرب.

ظل أعضاء الحركة إبّان الأزمة يترقبون صدور فتوى من قيادتهم تبيح لهم الانطلاق، وكانت تحركاتهم ومحاضراتهم وخطاباتهم في البلدان تنمّ عن الاستعداد للمواجهة، ولهذا تحرّك رجال الشرطة في ولاية «بوثي» وهاجموا تجمّعاً للحركة في مسجد لهم، فاندلعت المواجهة عندئذ، وتأزمت العلاقة بين الحكومة وهذه الجماعة في تلك الليلة من شهر شعبان من السنة 1430هـ الموافق ليوم الأحد 26 من يوليو 2009م.

وفي حركة مقابلة؛ اقتحم بعض عناصر الحركة المسلحين مقر الشرطة الرئيس بـ «دُوظَنْ تَنْشِنْ DutsenTenshin»، وبعض المباني الحكومية في ولاية «بوثي»، فلم تستسلم الشرطة، ودافعت مستميتة، فحصل نتيجة لذلك اشتباك عنيف بين قوات الأمن والمسلحين في تلك الآونة، وفي الصباح تطايرت شرارة المواجهات إلى «دَمَاتُرُو» عاصمة ولاية «يوبي»، وانتقل الاشتباك بحرارة في نصف النهار إلى ولاية «برنو»، فتحوّلت العاصمة «ميدغري» إلى أرض المعركة، حيث كان المركز العام للحركة، ومثوى رأسها، وكبار الدعاة إليها.

واستمرت الحرب لمدة خمسة أيام، من الأحد إلى الخميس، انتقلت عَدواها إلى كبرى ولايات شمال نيجيريا: «ميدغري» و «بوثي»، و «كنو»، واقتحمت قوات الأمن معاقل الحركة في «بوثي» و «برنو»، وحُوصر الذين ثاروا في قرية «وُدِلْ WUDIL» بـ «كنو»، وأدى كلّ ذلك إلى مقتل أكثر من سبعمائة شخص من بين رجال الحركة والشرطة والجند وغيرهم من الشعب، واضطر أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة من سكان المنطقة للنزوح عن مساكنهم بعد اندلاع القتال.

 

نهاية المجزرة ومقتل زعيم الحركة محمد يوسف:

وفي أثناء المعركة اقتحمت الشرطة والجند المسجد الذي يستخدمه الأستاذ محمد يوسف لدروسه ومحاضراته (المعروف بمسجد ابن تيمية)، والواقع في المكان المعروف بالسكة الحديدية Railway على شارع «أَبّغَنَرَمْ Abbaganaram»، وفجّروه تفجيراً بقذائف مدوية، صكّت الآذان، وارتعدت من أجلها الجدران، وكانت حصيلة القتلى في المسجد وخارجه قرابة مائة من عناصر حركة «بوكو حرام»(4) ، وشوهد رجال البوليس يأتون بأعضاء الحركة، حتى بعض الجرحى منهم، فيطالبونهم بالاضطجاع على بطونهم، ثم يطلقون على كل فرد منهم رصاصتين أو ثلاثة (5)، وتوقفت المجزرة آنذاك بمقتل «محمد يوسف» نفسه بعد إلقاء القبض عليه، وإجراء محاورة مع بعض الجنود وكبار الشرطة، كما شاهد الكل ذلك مرئياً، لمدة خمس دقائق (6)، ثم قتلوه مكتوف اليدين، ويقولون إنه طلب الصفح والعفو قبل مقتله (7)، ولا ندري لماذا! وبعد الحرب حفرت الدولة المقبرة الجماعية لدفن الجثث في «ميدغري»(8) .

وكان مقتل «محمد يوسف» محاطاً بغموض عظيم، وتفسيرات عديدة من قِبَل مصادر الدولة، فمن يتحمل مسؤولية قتله؟ ولماذا؟ وما يثير دهشة بعض المحللين أنه لماذا لم يخضع للمحكمة حتى تُعرف التفاصيل عنه بمنطقه ه) ؟!(9).

 

إعادة تشكيل المنظومة:

بعد مقتل «محمد يوسف» تحدث ناطق رسمي للحركة بأن مقتله لن يغيّر مجراهم، ولم يؤثر فيهم سلباً، بل حفّزهم على الاستماتة وتنفيذ مشاريعهم. ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي.سي في 16 أغسطس 2009م بياناً رسمياً أسفر عن تطوّر جديد للحركة، حيث تحدث فيه المدعو بـ «ثاني عمر»، وصف نفسه آنذاك بأنه «الزعيم بالنيابة»، ويعد بيانه هذا الأول من نوعه عقب تلك الاشتباكات الدموية، ذكر أن: «الجماعة ألحقت نفسها بالقاعدة، وأنها تنوي شنّ سلسلة من التفجيرات في شمال البلاد وجنوبها؛ ابتداء من أغسطس مما يجعل نيجيريا مستعصية على الحكم»(10) .

وفي نهاية شهر يونيو 2010م ظهر نائب «محمد يوسف» المعروف بـ «أبي بكر شيكَو» على صفحة الإنترنت، مقنِّعاً رأسه، ومدجّجاً بالبندقية أك 47، وظهوره هذا يشبه الرد على إشاعة مقتله ضمن مجموعة القتلى، ظهر يؤكد أنه بالرغم من مرور سنة كاملة على الهجوم عليهم فإنهم ما زالوا ملتزمين بمبادئ الحركة، وعلى وشك شنّ هجوم عنيف على الغرب الكافر ومتبعي أنظمتهم في نيجيريا (11)، ومن هنا أصبح الأستاذ أبو بكر شِيكَو هو زعيم الحركة، ويلقّبه أعضاء الحركة بـ «الإمام»، وقد استمر عناصر الحركة في النشاطات خفية بزعامته، ومساعدة نواب آخرين.

ويبدو أن الحركة في هذه الفترة عملت على تحقيق هدفين:

أولاهما: تحرير أعضاء الحركة الذين أُلقي القبض عليهم، وزُجّ بهم في السجون.

وثانيهما: الدفاع عن النفس، وفي سبيل الدفاع عن النفس ذكر «الإمام شيكَو» أن جماعته إنما تقاتل ضد ثلاثة أصناف من الناس، وهم: الشرطة والجنود المسلحون، والمسيحيون، ثم الوشاة بالحركة وأعضائها، وأما جمهور الناس فقد أكد أنهم لا يمسونهم بسوء، وقد قال الأستاذ محمد يوسف مثل ذلك في محاضرة ألقاها يوم الأحد 18 ربيع الأول 1430م.

وتتالت الأحداث بتفجيرات وإطلاق رصاصات هنا وهناك تستهدف أفراد الشرطة والجند أو مراكزهم، وكان لـ «مَيدغري» قسط كبير من الإغارة، وكذلك ولايتي «يوبي» و «بوثي»، وهكذا مرّ عام 1431هـ / 2010م في تهارج واضطرابات وخصوصاً في الولايات الثلاث المذكورة.

وقد كان عام 1432هـ / 2011م مليئاً بالأحداث المختلفة سياسية واجتماعية واقتصادية، خرج معظم النيجيريين لانتخابات إبرايل، فأصبح جونثان هو رئيس الجمهورية، وقد أحدث هذا خنقاً مؤلماً للكثير من الشعب المسلم، خصوصاً في الشمال.

وتزامنت هذه الزوبعة مع التطهير العرقي الحادث في ولاية جوس، حيث قامت مجزرة كبيرة، لقي فيها المسلمون ألواناً من انتهاك الأعراض والغصب والقتل الوحشي، عدة مرات، من أعظمها ما كان في شهر مايو، في أيام العيد، وهذا مما زاد الطين بلة، وأثار حفيظة المسلمين بمن فيهم «جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد»، فتوسعوا في الإغارات والتفجيرات ضد المسيحيين.

وقد ذكرت بعض التقارير أن أكثر من 550 شخصاً لقوا حتفهم في عام 2011م، في قرابة 115 هجوماً (12)، سوى المصابين بالجروح والإصابات الخطيرة.

والسجل التاريخي لنيجيريا لا ينسى كذلك ثلاث حملات كبرى مما شنتها هذه الجماعة في ذلك العام:

أولاها: كانت ضد مكتب الأمم المتحدة بأبوجا، وذلك في 26 من أغسطس 2011م، وهو في الحقيقة تفجير عنيف قُصف به مبنى المكتب، نتج عنه سقوط خمسة وعشرين شخصاً، وإصابة أكثر من مائة شخص، وقد كشف هذا التفجير أن أعضاء الحركة على استعداد لإجراء ما يُسمّى بتعبير الإعلاميين بـ «العملية الاستشهادية» (13).

وثانيها: هو التفجير الكبير الذي يعد – في الحقيقة – الأول من نوعه، استهدف رئيس الشرطة النيجيرية الحاج حافظ رِنْغِمْ قبل عزله، وقع التفجير بالمركز الأعلى للشرطة بأبوجا، حيث فجر قائد السيارة نفسه، فلقي كثيرون مصرعهم، ونجا رئيس الشرطة من الإصابة، وكأن هذه الإغارة ردّ فعل لحديث تحدث به مع إذاعة بي.بي.سي – قسم الهوسا، كشف فيه عن خطة شاملة وعزم صارم للإطاحة بهذه الحركة.

والحملة الكبيرة الثالثة: كانت على كنيسة كاثوليكية في يوم عيد الميلاد للمسيحيين، اليوم 25 من شهر ديسمبر، في ولاية نيجر، بالمحافظة المعروفة بـ «مادَلّلا Madalla»، أدى الهجوم المفجّر إلى مقتل أربعين، وإصابة آخرين بجروح، ويُتهم اثنان من قيادات الحركة بهذه المهمة «كبير صكتو» و «بشير مادللا»، وقد ألقي القبض على الأخير في 17 من فبراير.

 

آخر تطورات الأحداث في عام 2012م:

وفي 2 يناير 2012م أصدرت الجماعة تحذيراً للمسيحيين الموجودين في شمال نيجيريا بإخلاء الشمال كلياً في حدود ثلاثة أيام، وإلا فالويل والثبور لهم، وبعد ثلاثة أيام، وذلك في 5 من يناير تحديداً، هجم عناصر الحركة على كنيسة في ولاية «غومبي»، وقتلوا زوجة أسقف الكنيسة مع ستة رجال آخرين.

وفي 6 من يناير لقي اثنا عشر رجلاً من قبيلة «إيبو Igbo» مصرعهم بمحافظة «مُوبِي» في ولاية «أدماوا»، وفي اليوم نفسه قُتل اثنا عشر آخرون في أثناء الطقوس في كنيسة في «يُولا»؛ عاصمة ولاية «أداماوا».

وفي 14 من يناير اعتُقل أحد المشتبَهين بتدبير الهجوم على كنيسة Madalla يُسمّى الأستاذ كبير عمر صكتو، ثم بعد أربعة وعشرين ساعة انفلت من الشرطة صدفة، لما ذهبوا به إلى مقره للكشف والتحقيق، وقد تعجب من هذه المهزلة الشعب النيجيري كافة، ووعدت الشرطة بمبلغ عظيمة لمن يدل عليه، ووقع «كبير صكتو» في كمين القوات الأمنية، وألقي القبض عليه من جديد في 7 فبراير.

وفي يوم الجمعة 20 يناير الساعة الخامسة مساء، اهتزت مدينة «كنو» بدوي الانفجارات المتتالية بعد تمام الساعة الخامسة مساء، وقد استهدف بها سبعة مواضع، كلها مراكز للشرطة، وذكرت المصادر الحكومية أن ما لا يقل عن 186 لقوا حتفهم جرّاء تلك التفجيرات بمدينة «كنو»، وهو أكبر عدد من القتلى في يوم واحد منذ بدأت الحركة بعمليات التفجير والهجمات المسلحة، الأمر الذي دفع الرئيس جونثان إلى زيارة مدينة «كنو» للتعزية ومشاهدة مدى الخسائر، وبعد رجوعه إلى «أبوجا» أعلن عزل القائد الأعلى للشرطة، الحاج حافظ رنِغِمْ من أصل ولاية جِغاوَا، وأبدل مكانه الحاج أبو بكر من أصل ولاية زَنْفرا.

وظهر «الإمام شِيكَو» فيما أذاعته بي.بي.سي ظهراً في 26 يناير، مُقراً أن جماعته هم الذين شنوا تلك الغارة الشعواء بأمر منه، وأظهر أنه حادث مفرح جداً، وألقى باللائمة على الحكومة لأنهم بعد انتهاء الإغارة بدأ رجال البوليس بإطلاق الرصاص عشوائياً على الشعب.

دخل الشعب النيجيري، وبخاصة الشماليون، في معاناة ورعب من الأوضاع المتأزمة، وأخوف ما يخيفهم الجيش ورجال البوليس، حيث يعاملون الناس معاملة خشنة

والملفت للنظر في يوم 26 من يناير أن الرئيس جونثان طالب قيادة «جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد» أن تظهر في الساحة، وأشار إلى إمكانية الهدنة مع الحركة لإيقاف المواجهات وإيجاد السلام الشامل.

وكأن خطابه هذا جاء استجابة لرغبة كثير من ذوي الهيئة في إيجاد جوٍّ لصالح للهدنة، لكن لم تستجب قيادة الحركة للدعوة إلى الهدنة، وقد ذكر «الإمام شيكو» في شريط مسجل في 11 من يناير 2012م، قبل تفجيرات «كنو» عبر موقع يوتيوب، أنهم يقبلون مبادرات الهدنة ما دام أنها موافقة للهدنة الشرعية المبيّنة في القرآن (14) .

وفُوجئت بعض البيوتات في «ميدغري» ليلة السبت 28 بحشد من الجند يتخطفون بعض الشباب، وبعد تجميع أحد عشر شاباً أطلقوا عليهم النار وأعدموهم، وظهر بعد ذلك أن أولئك الشباب كانوا من «جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد»، وهذا بلا ريب مما يثير حفيظة زعماء الحركة.

وحصل في يوم 29 من يناير شيء مهم للغاية؛ إذ تحدث «أبو القعقاع» المتحدث باسم الحركة مع الصحافيين، وذكر أنهم أرسلوا رسائل إلى سلطان مسلمي نيجيريا محمد سعد بـ «صكتو»، وبعض كبار السياسيين في تلك الولاية، مطالبين إياهم بالتدخل في إطلاق سراح رجالات الحركة المعتقلين، وإلا سيوقعون دماراً شاملاً كما وقع في أماكن شتى بولاية «كنو»، وطالب في بيانه الحكومات بإطلاق سراح أعضاء الحركة المقبوض عليهم رجالاً ونساء؛ أينما كانوا (15).

وذكرت القوات الأمنية أنهم ألقوا القبض على «أبي القعقاع» المتحدث باسم الجماعة ليلة 31 من يناير 2012م (16)، غير أن الجماعة أنكروا القبض عليه، وتحدث «أبو القعقاع الحقيقي» مع الصحافيين، وأثبت أن المقبوض عليه ليس هو، وإنما يُدعى «أبو الدرداء»، وهو بالفعل من كبار عناصر الحركة، يشغل رئيس لجنة المفاوضات، وقد أرسلته الجماعة للاستعداد للهدنة المطروحة، ولكن جاء القبض عليه مخيباً للأمل وإجهاضاً لترتيبات الأمن والسلام في المستقبل.

وأضاف أن الحركة تتولى مسؤولية ذبح ستة أشخاص في «ميدغري»، وبيّن أنهم كانوا من قَبل من أعضاء الحركة ثم خانوها وأرشدوا الجند إلى أماكن وجود أحد عشر رجلاً من عناصرها، وهم الذين قتلهم الجند، ولا ريب أن قتلهم تفسير تطبيقي لما تقوله الحركة حول حتمية الهجوم على الوشاة بها.

وفي 7 من فبراير فوجئت ولاية «كدونا» بثلاث هجمات عنفية، ولم تسفر الهجمات عن قتلى، غير أن هناك كثيراً من المصابين بالجروح.

وفي أثناء هذه الأوضاع نشرت محطة تلفازية «NTA» شريطاً، يدّعي فيه شخصان متقنعان أنهما من الجماعة، واستخدم المتحدث بينهما اللغة الإنجليزية، وبيّن أنها عازمة على إجراء اتفاقيات السلام مع قيادات نيجيريا، وذكروا أربعة من كبار الشخصيات، وهم: الشيخ أبو بكر غَيرُو، والدكتور شَتِيما علي منغُنُو، والحاج علي بُوكَر إبراهيم- حاكم ولاية «يوبي» السابق، وشدّد على أن ما يبرمه هؤلاء الأربعة سيغير مجرى الأوضاع المتأزمة سريعاً.

ولكن في المقابل كذّب المتحدث باسم الحركة المعروف بـ «أبي القعقاع» هذا الشريط في تحاور هاتفي مع الصحافيين بـ «ميدغري»، وأوضح أنهم لا يقبلون أي مباردة للهدنة بعد القبض على «أبي الدرداء»(17)، وأكبر شاهد على ذلك الهجومات الثلاثة على ولاية «كدونا»، الولاية التي تمّ القبض فيها على «أبي الدرداء» ، ثم ظهر وزير الإعلام النيجيري يبدي تشكك الدولة في صحة ذلك الشريط، وأنها ما زالت على استعداد للهدنة مع جماعة «بوكو حرام»(18) .

 

نتائج الأحداث والمواجهات السابقة:

أولاً: تعطل المصالح العامة، حيث فرض حظر التجوال في بعض المدن، فتوقفت البنوك والأسواق عن العمل، وأُغلقت المدارس، وتجمّدت المجالسُ والمعاهد العلمية لعدم توافر الأمن، ودخل الشعب النيجيري، وبخاصة الشماليون، في معاناة ورعب من الأوضاع المتأزمة، وأخوف ما يخيفهم الجيش ورجال البوليس الموزّعون على الشوارع والسكك، حيث يعاملون الناس معاملة خشنة بالتخويف والضرب وأخذ الرشاوي.

ثانياً: ظهور أصوات تنادي بتقسيم الدولة، فقد بدأت بعض القبائل تنادي بتقسيم دولة نيجيريا إلى دولتين في الجنوب والشمال، وكانت قبيلة «إيبو» على مقدمة المناشدين لهذا التشقيق، وقد شجب هذه الدعوة بعض زعماء القبيلة، وكثير من كبار الشماليين، ولكن ظهرت أحداث خطيرة، حيث بدأ بعض الجنوبيين بالهجوم على المساجد بالتحريق والهدم، الأمر الذي قد تشتعل به نار الفتنة!

ثالثاً: انتشار الفساد بأضرابه في الحياة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية، حتى قطع شوطاً بعيد المدى في نيجيريا، وقد استطاع بعض المحتالين – وسط هذا الخضم – أن يلفّقوا الأكاذيب والحيل لأكل الأموال باسم الحركة، كما هو قد يدل على ذلك الشريط المرسل إلى المحطة التلفازية السابقة؛ إذ لم تكشف المحطة مصدرها، ولم يذكر المتحدث فيه عن اسمه، بل إن الجماعة لا تستخدم اللغة الإنجليزية أداة للنشر وتوجيه الخطاب للشعب أو لقادة نيجيريا.

وقد تزامنت هذه الأحداث مع البيان الذي نشره البروفيسور وُلَيْشُويِنْكَا، حيث ذكر أن حياته مستهدفة من قبل عناصر «بوكو حرام»، وهذا مع أن البروفيسور معروف بانتقاده اللاذع للشماليين(19) .

 

ثالثاً: مبادئ الحركة:

سوّغ «محمد يوسف» موقفه وموقف حركته عدة مرات من تعلّم العلوم العصرية قائلاً: إن نظام التعليم الغربي يتعارض مع تعاليم الإسلام

«جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد» من الحركات المعاصرة التي ترى أن تطبيق الشريعة لا يحصل إلا بالسلاح والمواجهة لإزالة الحكومة الظالمة، وردع معاونيها، وتوجّه الحركة الفعلي والمنهجية التي رسمها مرجعيتها يدلان على ذلك.

ونستطيع اكتناه المحتوى الحقيقي للحركة في دراسة متأنية لمبادئها والمناهج التي اختطّها أبرز قياداتها وعقلها المدبِّر، أعني الأستاذ «محمد يوسف»، لتحقيق الهدف وتفعيل الحركة، وكذلك ما يؤخذ من البيانات التي يصدرها قائدها «الإمام شيكو» على صفحات يوتيوب، فإن له دلالات ذات قيمة في تحليل اتجاه الجماعة.

وللحركة كتابات خاصة بحث فيها الكُتّاب منهم عن هذه المسائل، مثل كتاب «هذه عقيدتنا ومنهج دعوتنا» لمؤسس الحركة، وهناك كتاب آخر بعنوان «جاء الحق…»، أخفى مؤلفه اسمه الحقيقي، وسمّى نفسه «علاء الدين البرناوي»، وغير ذلك من الكتيبات، وقاموا بخطب منبرية، ومحاضرات توعوية كثيرة، بثّوها في أشرطة وسيديهات، حتى على الإنترنت.

 

وفيما يأتي نستعرض أبرز مبادئ الحركة:

هذه المبادئ والمناهج استخلصتُها – أنا – من أشرطة قيادات الحركة وكتبهم، وليس محررة من قِبلهم:

1 – إثبات الحاكمية لله تعالى وحده، وحرمة الديمقراطية لمضادتها الإسلام جملة وتفصيلاً،والسياسيون المنتخبون عن طريق الديمقراطية كلهم كفار؛ لإيمانهم بنظام يجري على الطرف النقيض للإسلام؛ «لأن الحكم بالقانون الوضعي كفر بواح» (20)، وينقد «محمد يوسف» قول القائلين: «لا يجوز الخروج، حتى ولو كان الحاكم كافراً تجب طاعته. لا شك أن هذا من جملة عقائد المرجئة…»، واستدل بحديث لتقوية رأيه، وهو ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله خطيباً، فكان من خطبته أن قال: «ألا إني أوشك أن أُدعى فأجيب، فيليكم عمال من بعدي، يقولون ما يعلمون، ويعملون بما يعرفون، وطاعة أولئك طاعة، فتلبثون كذلك دهراً، ثم يليكم عمال من بعدهم يقولون ما لا يعلمون، ويعملون ما لا يعرفون، فمن ناصحهم، ووازرهم، وشد على أعضادهم، فأولئك قد هلكوا وأهلكوا، خالطوهم بأجسادكم، وزايلوهم بأعمالكم، واشهدوا على المحسن بأنه محسن، وعلى المسيء بأنه مسيء»(21) .

2 – ويعتقد أعضاء الحركة أنهم «الفرقة الناجية»، وبهذه القناعة يتحركون، ودليل ذلك – في نظرهم – أنهم يُحيون روح الجهاد في مسلمي نيجيريا.

3 – تحريم التعلّم في المدارس النظامية من الابتدائبة إلى الجامعة، لعدة أسباب؛ منها(22) :

– أن المسيحيين المنصِّرين والمستعمِرين هم الذي أسّسوا هذه المدارس منذ البدء لتخدم غايتهم في تنصير الأمة المسلمة، وقد كان نظام التعليم تابعاً للإسلام في بلادنا قبل مجيء المنصِّرين، ولم يزل مستقيماً على الجادة حتى تغلّب المستعمِرون على جنبات البلاد، فكرّسوا أنظمتهم على كلّ مرافق الحياة، ولأهمية نظام التعليم، لارتباطه الوثيق وتأثيره في الحياة، قد خططوه، وأفرزوا المناهج، وفق ما يحوّل المسلم رويداً رويداً إلى الكافر، أو العميل لهم.

– انتشار الاختلاط الممزوج بالتبرج في الفصول والقاعات وساحات المدارس، والله تعالى يقول: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب : 33]، واقتضى هذا انتشار الفواحش والرذائل كالزنا والسحاق واللواط.

– تعلّم بعض المواد والأفكار والنظريات المضادة للدين، نحو نظرية دارون في تطوّر خلق الإنسان، والتي تخالف قول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ﴾ [الروم : 20]، واعتقاد بعضهم وقوف الشمس ودوران الأرض حول الشمس، ونظرية الذرة بأنها لا يمكن خلقها ولا إفنائها تخالف قول الله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن : 26 ، 27]، وأن للنطفة روحاً متحركة يخالف قول الله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة : 28]، وأن المطر يعود إلى السماء في الصيف، ثم ينزل في الربيع، يقول: «المطر مثلاً نحن كمسلمين نعتقد أنه من عند الله، وليس من صنع الشمس»، تخالف هذه النظرية قول الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾ [المؤمنون : 18]، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ…﴾ [النور : 43].

وكان «محمد يوسف» سوّغ موقفه وموقف حركته عدة مرات من تعلّم العلوم العصرية قائلاً: إن نظام التعليم الغربي يتعارض مع تعاليم الإسلام، والأمثلة على ذلك كثيرة، كما لا يؤمن «أبو يوسف» بأن الأرض كروية.

4 – رفضت الحركة العمل تحت الحكومات الديمقراطية الحالية، سواء في الشرطة والجند والأمن، وسائر الوظائف الديوانية؛ لأن ذلك من جملة الطاعة المطلقة لنظامها الكافر، والله تعالى يقول: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود : 113]، وبعد أن ذكر «محمد يوسف» جملة من الأحاديث قال: «فمجموع هذه الأحاديث تدل دلالة قطعية على أن العمل لا يجوز تحت الحكومة التي لا تحكم بالكتاب والسنّة، إنما تحكم بالقوانين الشيطانية، وكذلك لا يجوز عمل الشرطة والجندية تحتها من باب أولى»(23) .

 

رابعاً: مناهج الدعوة وآلياتها في الحركة:

تفترق كلمة «المنهج» عن كلمة «المبدأ»؛ من حيث أن «المبدأ» هو العقيدة العامة الكامنة في الضمير، يمضي نحوها صاحب المبدأ كغاية، وأما «المنهج» فهو الوسيلة التي رسمها صاحب المبدأ وهو يؤمن أن خطواته توصله مباشرة أو في نهاية المطاف إلى غايته، ولكل «مبدأ» وسيلة يُتوصّل بها إليه، غير أنها تختلف من حيث المشروعية وقابلية التطبيق.

ونتيجة لدراسة للمصادر المكتوبة، وما بثّه قادة الحركة باللغات الثلاث التي يَتَحدثون بها (الهوسا وكانوري، واللغة العربية) في خطبهم ودروسهم ومحاضراتهم المخزّنة في الأشرطة، استخلصت أهم ما ظهر أنه المنهج المختط لترسيخ المبادئ التي تريد الجماعة تحقيقها واقعياً.

ونجملها في النقاط الآتية:

1 – تشكيل الدولة:

تتطلب الدولة – كلّ دولة – مقوّمات خاصة؛ من أهمها «الإمام» الذي يقودها، ويكون رمزاً لعناصرها، ومرجعاً لشؤونها، و «محمد يوسف» قد تمّت له «البيعة» بالإمامة من قِبل عناصر حركته، ومن ثم كانت له صلاحية فرض الخوض في المعارك، وتحديد بنود الأمن والسلام.

ولهذا الإمام نائب عام، وهو «أبو بكر شِيكَو»، وأمين عام للحركة، وهو «محمد نور»، كما أن لكل ولاية من ولايات نيجيريا أميراً، تحته مندوبون من جهات بلده، ومسؤولون آخرون في كل الحكومات المحلية.

وللحركة مجلس للشوري، ينظر في الأمور الطارئة للتحقيق والمناقشة وإبرام الرأي الأخير، وكان «محمد يوسف» قبل وفاته لا يحيد قيد أنملة عمّا ارتآه ذلك المجلس، فحينما قطع مجلس الشوري – مثلاً – مشورة البدء بالجهاد على أراضي نيجيريا؛ أعلن «محمد يوسف» ذلك في المحاضرة المشهورة بـ «الرسالة المفتوحة إلى الحكومة الفيدرالية»، وذكر فيها أن جماعته خاضت في صميم المعركة مع حكومة نيجيريا.

2 – المنهج التربوي:

التربية التي يعتني بها أعضاء الحركة تجمع بين التربية الروحية والبدنية، أما التربية الروحية؛ فقد كانت مساجدهم مسكناً، ومدرسة، ومراكز لقيام الليل، وصيام النهار، وقراءة القرآن، والأذكار، وكانت مرجعية الحركة يكررون على مسامع عناصرها ترك الذنوب، وكلّ ما يخدش المروءة، ويُسقط الأعراض من حضور صالات الرقص، والسينما، وشرب الخمور، والزنا، والرياء والكبر والحسد والحقد، إلخ (24).

وأما التربية البدنية؛ فإنهم في بعض الأحايين يقومون في المساجد نفسها، يربّون أنفسهم على الرمي وبعض الأنشطة المقويّة للجسد، ولهم جولة على الأقدام كلّ صباح بعد صلاة الفجر، ويدعوهم الزعيم إلى التمرينات، ولو في البيوت، لإجادة الرمي والتصويب وسائر الأنشطة، وفوق ذلك هناك عناصر تقوم الحركة بتدريبهم تدريبات عسكرية في الفيافي، وإرسالهم إلى أصحابهم في العقيدة والحركة في البلدان النائية، والدول المجاورة.

3 – المنهج التعليمي:

يقف منهج «بوكو حرام» التعليمي على الدروس المجلسية والمحاضرات، وإقراء الكتب في مساجدهم الخاصة، وبما أن ولاية «برنو» هي معقل الحركة؛ فإن لهم فيها أربعة مجالس كبيرة في «ميدغري»، وهي:

1 – مركز ابن تيمية: كان «محمد يوسف» يلقي فيه دروسه يومي السبت والأحد.

2 – حارة دُوْكِي UnguwarDoki : اتخذ فيها مجلساً لتفسير القرآن كلّ يوم الجمعة ليلاً، وهو أكبر مجالسه.

3 – مسجد فِزَان Fizan : كان يلقي فيه بعض الدروس، وينوب عنه بعض الدعاة في غيابه.

4 – مسجد مَفُوْنِي Mafoni : يلقون فيه المحاضرات العامة مرة أو مرتين في الشهر.

استفاد أعداء الإسلام من ثورة هذه الحركة، وكان من نتائج ذلك أن هرول رؤساء نيجيريا يستنجدون بأمريكا وإنجلترا في مواجهة هذه الحركة وكان تركيزهم في بعض الكتب، أو المقاطع من بعض الكتب التي تحض على الجهاد، وتوضّح نواقض الإيمان، وتشمل الكتب المدرّسة لديهم: تفسير القرآن، وصحيح البخاري، ورياض الصالحين للإمام النووي، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر، والرسالة لابن أبي زيد القيراوني، والأصول الثلاثة وكتاب التوحيد (كلاهما للشيخ محمد بن عبد الوهاب)، وأحكام الجنائز وكتاب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (كلاهما للشيخ الألباني)، والولاء والبراء للشيخ الفوزان، وغيرها، وقد بلغ من اعتناء «أبي يوسف» بالمجالس والدروس أن أصبحت هي شغله الشاغل على مدار الأسبوع، قلما تفوته إلا أن يذهب لدرس آخر في بعض المدن والولايات.

ومن جانب آخر لهم مدراس خاصة لتحفيظ القرآن للصغار، وبخاصة المدرسة الملحقة بمسجد ابن تيمية، كان الصغار يتعلمون القرآن مجوداً، ويحفظون الأوراد النبوية، وتلتزم المدرسة كذلك بالمظاهر والزي الإسلامي من لبس العمامة للفتيان، والحجاب للفتيات، وقد انتهز المدرسون في هذه المدارس فرصة للدعوة، وتطعيم الأطفال بعض الأفكار التي آمن بها بعض زعماء الحركة، كتحريم مشاهدة التلفاز، وغير ذلك.

ويفضل أعضاء الجماعة استخدام اللغة العربية في التحدث والتخاطب، ولعله من أجل مكانة اللغة في دين الإسلام، وهو اللغز الذي عسر فكه لدى بعض الشعب، فظنّوا أنهم ليسوا بنيجيريين، وإنما أتوا من بعض الدول الإفريقية، وحاولت القيادات تمييز الجماعة عن باقي الحركات السلفية، لحد أنهم يعدّون سائر أهل السنّة كسالى، وهذا صريح في بعض خطابات «محمد يوسف»، وكان يصب جام غضبه على كسالى من العلماء، على أنه في بعض الأحايين كان ينهى أعضاء الحركة عن إطلاق كلمة «الطاغوت» على العلماء(25) .

 

4 – المصادر العلمية المعتمدة لدى الحركة:

تقول قيادات حركة «بوكو حرام» إنهم يعتمدون على فتاوى العلماء السابقين في كلّ ما يقولونه من رأي، وكان من دأب زعيم الحركة أن يذكر أسماء المراجع والمصادر التي هي كالقطب لحركته، أو لرأي ذهب إليه، يذكر مثلاً كتاب الشيخ بكر أبي زيد رحمه الله تعالى «المدارس العالمية الأجنبية»، وكتاب «مدارك النظر في السياسة: بين التطبيقات الشرعية والانفعالات الحماسية» للشيخ عبد الملك بن أحمد بن المبارك رمضاني الجزائري، وكتاب «حكم الجاهلية»، وهي مجموعة مقالات وتعليقات للشيخ أحمد محمد شاكر- جمعها ابنه الأستاذ أسامة، وكتاب «العلمانية» للشيخ أحمد شاكر أيضاً، وقد صرّح «محمد يوسف» في بعض أشرطته أنه تأثر جداً بهذا الكتاب (26).

ومن المصادر التي تعتمدها مرجعية «بوكو حرام» أيضاً: «فتاوى اللجنة الدائمة»، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب ابن القيم، وتفسير ابن كثير، وفتاوى بعض العلماء المعاصرين أمثال الشيوخ: الألباني، وابن باز، وابن عثيمين، وغيرهم.

وتكرر قيادة هذه الحركة أن ما أتت به من الفتاوى في القيام ضد الحكام الظالمين، وتحريم التعليم على نمط «بوكو»، وما إلى ذلك كله مستقى من فتاوى العلماء السابقين، ليسوا هم من استنبطوها، وما لهم فيها إلا قراءتها وتفسيرها وترجمتها إلى لغة الهوسا، بالرغم من أنه – في الحقيقة – ليس بالضروري أن يكون الكلام المذكور هو الرأي الذي يعتقده ويفعله – عملياً – العالم المنقول كلامه، ومع ذلك يتحدى «أبو يوسف» كلَّ من كان يرى أن دعوته أو ما يقول، فيه: «المغالطة» و «الخطأ»، أو «سوء الترجمة»، أو «عدم الفهم»، و «طفولية التفكير»، و «عدم النضوج في العلم» – أن يتقدم مشكوراً ليعيد النظر فيما يقوله، ويبين للناس الحقيقة! وكرّر ذلك قائد الحركة الحالي بأن تأويلات المتأولين لإقرار النظام الديمقراطي، وتثبيت إمكانية تحالف علماء المسلمين مع المسيحيين، كلّ ذلك هُراء لا أساس له، ولا يصرفهم عن تنفيذ أمر الله تعالى.

 

خامساً: علاقة «بوكو حرام» بتنظيم القاعدة:

يظهر «الانتماء الروحي» لهذه الجماعة إلى تنظيم القاعدة في الاستشهادات بأقوال رموز القاعدة التي يكثر منها زعيم الحركة، حيث ينقل مثلاً عن أبي مصعب الزرقاوي، ويصفه بـ «المجاهد» ، وغيره(27).

واتضحت مؤخراً علاقة حركة «بوكو حرام» مع تنظيم القاعدة في بعض المواقف، وهذا ما بيّنه «موسى تنكو» الناطق الرسمي باسم الحركة – في النشرة الهوساوية بإذاعة BBC – بعد مقتل قائدها، حيث أكد انضمام حركتهم إلى تنظيم القاعدة (28)، وقد يكون لهذا البيان تفسير آخر، وهو بثّ الروع بين صفوف رؤساء الدولة، ورجال الأمن، دون أن يكون له أثر واقعي.

وحسبما تنقله بعض وكالات الأنباء في مواقعها على الإنترنت؛ فإن هذه الحركة قد تمّ استدعاؤها من قبل أمير تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الجزائري (أبي مصعب عبد الودود) للانضمام في مظلة القاعدة، وكان من ضمن أطروحته التي صرّح بها لهم: أنه يحلم بتوسيع منطقة نفوذه لتشمل نيجيريا (29)، ولكن بعض المصادر تؤكد أن الحركة على علاقة وطيدة مع التنظيم من خلال السلفية الجهادية في الجزائر، والثوار في تشاد، وخصوصاً أن ولاية «برنو» تجاور جمهورية تشاد، وقد تمّت الاتفاقات بينهم وبين «أبي يوسف» طيلة دعوته إلى مبادئ الحركة(30) .

ولا يعني سرد هذه الأخبار هنا التصديق بها كلياً، غير أنها على أية حال مؤشر إلى انتماء الحركة – ولو فكرياً – إلى تنظيم القاعدة – إن صحّ التعبير!

 

سادساً: التمويل في حركة «بوكو حرام»:

بنى بعض المحلّلين على تلك الأخبار السابقة – وغيرها، مما تجمّع لديهم- أن تنظيم القاعدة هو المورد الأساس والمموّل الأول للحركة؛ بينما يرى بعض آخر أن بعض رجال الدولة النيجيرية لهم دَخْل حتى النخاع في استثارة «محمد يوسف» ضد الحكومة، ويموّلون كل نشاطاته (31).

ويقول آخرون إن هناك بعض الأثرياء، قد تكونت العلاقة الوثيقة بينهم منذ انتماء «أبي يوسف» إلى جماعة أهل السنّة والجماعة في التسعينيات، فهؤلاء الرجال هم الذين يتكفلون برأس مال الحركة.

هذه التكهنات من الأمور التي تحتاج إلى مستند قوي، نعم! للباحثين أن يسألوا مَنْ يموّل محمد يوسف في حياته؟ إذ أنه لم يرث هذه الأموال، وليس ببائع عقارات، ولم يشتهر بالتجارة، ولا كان موظفاً – في أبعد الافتراضات -! وإنما صرف همّه إلى الدعوة، بيد أنه دافع عن نفسه بأن له إخوة يقومون باستثمار أمواله، ويفلحون أرضاً لهم كبيرة، ومع ذلك لم يقتنع الناس، لمّا تحققوا من قيامه بحاجات فوق مستوى دخله، الأمر الذي يدل على أن تحت الدخان تتأجج النيران!

لذلك لم يزل الناس يتساءلون طالبين الجواب الكافي: ما المصادر المموِّلة التي تمّد «محمد يوسف» حتى يذبح لتابعيه الساكنين في المركز شياهاً وأبقاراً كلّ أسبوع، ويفعل أشياء أخرى لا يمكن لرجل عادي أن يقوم بها – كما يرى بعض المحللين – إن لم تكن هناك جهة خفية تموّله؟! هذه تساؤلات يرددها الصحافيون والمتابعون لنشاط الحركة! وصرّح الرئيس جونثان بوجود عناصر الحركة في حكومته، لكنه لم يذكر التفاصيل، لا هو ولا أحد الوزراء أو أعضاء الحكومة!

صحيح أن بعض أعضاء الحركة من الولايات المختلفة قد باعوا ممتلكاتهم من البيوت وحُلي النساء استعداداً للجهاد، وذلك في بداية الأمر، وجمع ناشطو الحركة من التجار ما يرونه مناصرة لها، ولم تخرج هذه المسألة لحدّ الآن من الغموض؛ إذ الحركة استمرت في نشاطاتها من غير أن تعوزها النفقة!

 

سابعا: تأثيرات الحركة في الدعوة داخل نيجيريا وخارجها:

لا شك أن ما يحدث في شمال نيجيريا له انعكاسات سلبية على الدعوة، من جانب أن أعضاء الحركة لهم انتماء قوي إلى أهل السنّة، الأمر الذي اتخذه بعض أعداء السنّة من النصارى وأهل البدع ذريعة للطعن في أهل السنّة كافة، ويقومون بتحريض الحكومات ضدهم، وهذا – والحمد لله – لم يؤثر كثيراً، بسبب الجهود التي ما يزال علماء أهل السنّة يقومون بها لتوضيح منهج السنّة، وتوجيه النصائح إلى قيادات «جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد».

غير أن أعداء الإسلام استفادوا من ثورة هذه الحركة، حيث لوّحوا بوضع شمال نيجيريا في قائمتهم السوداء للإرهابيين، وكان من نتائج ذلك أن هرول رؤساء نيجيريا يستنجدون بأمريكا وإنجلترا في مواجهة هذه الحركة، وجرت بينهم اتفاقيات؛ من ضمنها أنهم يقومون بتدريب القوات الأمنية النيجيرية على مكافحة الإرهاب، وتقوم أمريكا بفتح مكتب عريض، أو قنصلية في ولاية «كنو»، حدث هذا بعد المواجهات التي حدثت في الولاية، ولا يتوقع أي مردود إيجابي للشعب إزاء تلك السياسات.

 

ثامنا: موقف العلماء والعامة من الحركة وأفكارها:

تصدّى علماء أهل السنّة للمنهج الذي اتخذته «جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد» منذ بدايتها، موضحين لقياداتها الزغل المنطوي في منهجهم، كما قاموا بمحاضرات وإصدار كتيبات ومقالات شارحة للمنهج السوي، وجرت مناظرات بين بعض العلماء وقيادات الحركة حول توجهاتها، ولكن أعضاء الحركة يرمون علماء أهل السنّة بالكسل، وعدم التحرك لنصرة الدين.

وقد بيّن العلماء أن الأمر يحتاج إلى اتباع الحكمة والموعظة الحسنة، وليس الأخذ بمنهج العنف ولغة السلاح، ومن جانب آخر، يرون هذه الحوادث فتنة تحتاج إلى التؤدة والدعاء، لذلك يجتهدون في دعاء القنوت في مساجدهم.

وأما العامة؛ فإن موقفهم لم يتغير عن موقف العلماء، لكنهم لا يشعرون تجاه القوات الأمنية النيجيرية بأسى أو تحسّر لما يصيبها، ويرون أنه قصاص لما يلاقيه الشعب على يد رجال الأمن من التعذيب والتصفية الجسدية.

 

الخاتمة:

هذا البحث استعراض وجيز لتاريخ حركة «جماعة أهل السنّة للدعوة والجهاد» (بوكو حرام)، والإشارة إلى الدوافع إلى نشأتها والغرض منها، وثبت لنا أن الحركة لها كيان مؤثّر، وأنها ليست جمعية ربحية، ولا تعمل لأي جهة رسمية أو غير رسمية، ولها اهتمام بطلب العلم الشرعي ونشره، والنهي عن الانضمام في المدارس النظامية الموجودة لمضادة جوانب في مناهجها لتعاليم الإسلام.

ولكن لم يظهر لحد الآن ما يثبت أنها تكفّر سائر المسلمين، وإنما حصرت قتالها ضد ثلاث طوائف، وهم: قوات الأمن، والنصارى، والوشاة بهم، وقد قتلت الآلاف من هذه الطوائف، بمن فيهم أفراد من سائر الشعب، وتعتقد الحركة بذلك أنها تسعى لإعادة الدولة الإسلامية في أرض نيجيريا.

وقامت الحكومة النيجيرية بدحر اعتداءات رجال «بوكو حرام»، واتبعت كل وسيلة متاحة لاصطياد عناصر الحركة، وقد نجحت في إلقاء القبض على ثلاثة من كبار قياداتها.

ويرى الشعب أنه قد طال أمده تحت ظلم الحكام وفساد السياسيين، وهذه المرة قد دارت الكرّة على الظالمين أنفسهم، وبالرغم من ذلك ما زال الرعب مطوقاً لقلوب الشعب النيجيري عامة، لذلك ما زالوا يدعون الله تعالى أن يرفع هذه الفتنة، وينحيها عن هذا الوطن.

 

الهوامش والإحالات:

(*) قسم الدراسات الإسلامية – جامعة بايرو- كنو.

 

(1)عمر الكدي: زعيم «بوكو حرام» النيجيرية.. نهاية غامضة لرجل غامض، على هذا الموقع:

http://www.rnw.nl/arabic/article/15235

(2) أجوبته لتساؤلات بي.بي.سي. بعنوان: BBC Interview with Boko Haram Leader.

(3)شريط «كشف الشهبات».

(4) Nigerian Army attacks Islamist mosque, kill scores،

الرابط: http://www.zeenews.com/news551374.html

(5) نشرت محطة الجزيرة الإنجليزية بعض اللقطات التي ظهر فيها الإعدام العنجهي لبعض المتهمين بالانتساب إلى جماعة «بوكو حرام»:http://www.aljazeera.com/news/africa/2009/07/200973135730251561.html

(6) راجع خبر حوار محمد يوسف مع الجند قبل مقتله : إضغط هنا

(7)جريدة الشرق الأوسط، مقال بعنوان: شرطة نيجيريا: زعيم «بوكو حرام» طلب الصفح قبل قتله: مقتل الملا محمد يوسف زعيم «طالبان نيجيريا» بعد اعتقاله، يوم السبـت 09 شعبـان 1430 هـ 1 أغسطس م2009 العدد 11204، على هذا الموقع:

http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11204&article=529987

(8) Newstime Africa, Mass Burial For Boko Haram Victims, Mass Burial For Boko Haram Victims | Newstime Africa

 

(9) News Africa, Profile: Boko Haram, Tuesday, February 09,2010

http://english.aljazeera.net/news/africa.html

 

Steve Coll reports for The New Yorker, (Think Tank): BokoHaram,July, 2010:

 

http://www.newyorker.com/online/blogs/stevecoll/2009/08/boko-haram.html

 

ومقال: البرلمان النيجيري يدعو للتحقيق بمجزرة بوكو حرام، السبت 13 فبراير 2010م، على موقع: http://www.islamstory.com

 

(10) محيط – جيهان مصطفى: «بوكو حرام».. كابوس أوباما في نيجيريا، على هذا الموقع:

 

http://www.moheet.com/show_files.aspx?fid=332544

 

(11)Ben Shemang, Boko Haram deputy alive, vows to continue anti-Western fight, 02 July 2010: Boko Haram deputy alive, vows to continue anti-Western fight – Nigeria – RFI

 

(12) بي.بي.سي هوسا، أخبار المساء، 24 من يناير 2012م، وكذلك التقارير المنشورة بعنوان:- Nigeria: Boko Haram Widens Terror Compaingn, Bring Attackers to Justice, Step up Security, published by Human Rights Watch, www.org/news/2012/23/nigeria-boko-haram-widen-terror

(13) راجع هذا الموقع لمشاهدة الرجل الذي نفذ العملية، وتحمل الحركة المسؤولية:

(14) http://www.youtube.com/watch?feature=endscreen&v=wqLUUv7G5fg&NR=1

(15) http://www.9jabook.com/forum/topics/sss-arrests-boko-haram-leader-s-wife-son

(16) http://www.bbc.co.uk/hausa/news/2012/02/120201_qaqaarrest.shtml

(17) بي.بي.سي- قسم الهوسا، نهار الثلاثاء 7/2/2012م.

(18) بي.بي.سي- قسم الهوسا، ليلة الخميس 8/2/2012م.

Continue Reading
Advertisement
MEDIUM RECTANGLE